“فاجعة قبلاط”.. عمر من الوجع

يسرى الشيخاوي-

أي أياد تلك التي امتدت إلى وجه ملأته التجاعيد فكالت له الكدمات، أية كائنات تلك التي اقتلعت وردة في ربيعها الخامس عشر من حضن والدتها وجدّتها.

أربعة ذكور من بينهم عون أمن، اقتحموا منزلا تقطن به عجوز وابنتها وحفيدتها، استغلوا وجودهن وحيدات، أبرحوا العجوز وابنتها ضربا وغادروا المكان حاملين قطعة منهما.

إمرأة بلغ بها الكبر عتيا، وشقت السنين الاخاديد على وجهها، تتلقى اللكمة تلو الأخرى أو ربّما صفعة، لا احد يعلم كم من الوقت استغرقت كائنات بلا إنسانية وهي تعنّفها وابنتها، ذلك الوجه الذي مرت عليه ملايين الخيوط البيضاء والسوداء وتلكم العينين التين شاهدتا عددا لا يحصى من الصور دنستها أنامل حقيرة.

قاتلة هي صورة ثمانينية بكدمات بنفسجية ووجه متورم، كانت تغمض عينيها على وجع الواقع، انت قطعا لن تتحمل رؤية وجهها وإطباق جفنيها  وهي تنام نومتها الأبديّة وقد يتردد إلى مسمعك صوتها وهي تتوسل أشياء لا يمكن تصنيفها أو توصيفها بأن تكفّ عن ضربها، ألم يثنهم ذلك الصوت المرتعش عن فعلتهم، ألم يخجلوا من رجفة جسدها وشيبها وتجاعيدها.

ام الفتاة المختطفة، ايضا في حالة حرجة، هي تعاني من ارتجاج في المخ، أي ضربة تلك التي تخلف ارتجاجا في المخ، وأي وجع تعانيه إمراة افتكت منها ابنتها وعنفت امها المسنة امام ناظريها، قد يكون لارتجاج المخ دواء لكن فتق القلب لا رتق له.

لا احد يعلم الآن كيف اعتدت تلك الحيوانات الناطقة، مع حفظ مقام الحيوانات، على نساء، كيف قاومن، كيف صرخن، كيف تلقين الصفعات واللكمات تباعا، كيف ارتطمت أجسادهن على الحيطان، كيف أطلقن صيحة الاستسلام الأخيرة والطفلة ذات الخمسة عشر عام تجر إلى مكان مجهول.

لا شك في انها كانت تبكي امها وجدّتها وتبكي مصيرها، ربما لقّنتها أمها ان تحتمي برجال الأمن إن اصابتها مصيبة، لكن امها قد تكون نسيت ان تخبرها أن رجل الأمن قد يسلب امنها ويزعزع السلام في بيتها، رجل الأمن حضر اغتصاب طفلة، وشارك في اغتصابها، أي مسحوق غسل به دماغه حتى انتفت فيه كل القيم التي من المفترض أن يتحلى بها الامني، أية صورة تلك التي ستحملها وردة في ريعان العمر اغتصبت والقيت على قارعة الوادي عن رجال الامن.

الجّدة لم تتحمل كل هذه المرارة والقسوة وغادرت هذا العالم والحفيدة وامها ترقدان بالمستشفى، تقاسم الثلاثة وجع انتهاك حرمتهن في دولة بها ترسانة من التشريعات التي تحمي حقوق المرأة قبل ان تغادرهن الجدة، لكل منهن لوعة عميقة، آلام الحسرة والانكسار اشد وطأ على الجدة من الضربات التي تلقتها حتى انها لم تتحمل كثيرا، وتمزقت الأم بين وجعها على المرأة التي منحتها الحياة والطفلة التي منحتها هي الحياة، وحرقة طفلة لم تنصفها الحياة، طفلة يسرع الزمن خطاه لتكبر قبل وقتها.

ولكن ماذا لو تذكر ذلك الشيء الذي يشتغل عون أمن مهنته، ماذا لو تغاضى عن غريزته او رغبته في الثأر أو أي أمر آخر وتذكر أن التي جرها إلى الوادي طفلة مجرّد طفلة، ماذا لو كان إنسانا لبعض الوقت، للأسف الوقت لا يعود إلى الوراء وما نيل “الإنسانية” بالتمني.

ماتت المرأة المسنة وسيخبر اللون البنفسجي على عينيها الله بكل شيء وهو العليم، ماتت ولم تقبل الطفلة التي كانت تحميها، قطعا الجدّة ليست المسنة الاولى أو الاخيرة التي عنّفت، وحفيدتها ليست الطفلة الاولى التي يتم اغتصابها، ولا هي حالة الاغتصاب الاولى، ألم يحن الوقت لوضع حد لهذا النزيف الذي يلمّ بنا بين الفينة والأخرى، ولكن أي حل هذا الذي سيجبر الكسور في أرواح المغتصبات والمعنّفات، أي حلّ سيعيد الحياة إلى أرواح جفّت.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.