عندما تصرخ الثورة التونسية.. “لكم أن تقطفوا كل الأزهار وتبيدوا كل الورود لكنكم لا تستطيعون إيقاف الربيع”

  أمل الصامت –

"الربيع العربي" كلمة بسيطة بمعنى عميق لن يستطيع أيا كان قتل صداها في أنفس التواقين للحرية والتغيير والثورة على الديكتاتورية وقمع الحريات، ليبقى الربيع العربي فخرا لكل من آمن بمضمونه واستمات في الدفاع على إنجاحه، وعلى رأسهم التونسيون الذي يحتفلون اليوم بالذكرى الثامنة لثورة 14 جانفي 2011، ذلك اليوم الذي لا تزال صوره عالقة في الأذهان ولن تمّحي ما لم يتوقف حبر التاريخ عن السيلان لاستكمال خطه.

الثورة التونسية التي ناضل نساؤها ورجالها في سبيل جعلها قدوة يحتذى بها ونموذجا إيجابيا تكتب من خلاله دساتير الحرية في جميع أصقاع العالم العربي، ستظل أبد الدهر فخر أبنائها، ولن تصبح أبدا مثلما يريد سجناء الأنظمة الاستبدادية وصمة عار على جبين المؤمنين بها في تونس وخارجها.

في الواقع، لم تصبح تونس بعد مرور ثماني سنوات على إسقاط نظام بن علي الذي مارس طيلة 23 سنة جميع أشكال الاستبداد وتكميم الأفواه، في مصاف الدول المتقدمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن لا يمكن لأحد نفي أنها استطاعت أن تسطّر لنفسها طريقا نحو الديمقراطية ما انفكت الدول المتشبعة بمعاني الحداثة والديمقراطية تدعو إلى الاقتداء بها لتميزها وتفرّدها.

وقد يبدو هذا الكلام بالنسبة للبعض لا يسمن ولا يغني من جوع، إلا أنه في الحقيقة رسالة قوية لكل من يريد تقزيم الانجاز التونسي العظيم الذي فجّر كبت جلّ الدول العربية حتى وإن نجح بعض الحكام في امتصاص الغضب بوعود تحقق بعضها وما تبقى كان بمثابة السراب، إلا أنه في المقابل كانت هناك شعوب تشبثت بحلم الانعتاق ومازالت تبحث عن طريقها نحوه وستنجح مادام في ثوراتها إيمان.

وربما عنصر القدرة على تدارك الأمور -على هنات طريقة الممارسة- هو ما صنع الفارق بين ما وصلت إليه تونس وما تخطته من إراقة مزيد من الدماء بعد سقوط أكثر من 380 شهيدا ايام اندلاع الثورة، وما حصل من انحرافات في بقية البلدان التي انخرطت في منظومة "الربيع العربي"، وهو ما يستوجب مراجعة عميقة لأسباب عدم قطف ثمار هذا الربيع في تلك الدول إلى حد اللحظة، عوض تحميل الثورة التونسية وزر هذا التأخير.. واقول جيدا التأخير لأنه ليس بفشل كما يراد التسويق له.

اليوم تمر 8 سنوات على "ربيع تونس"، بوجه إيجابي رسمه دستور جديد ومشهد حزبي فسيفسائي و4 محطات انتخابية محترمة و10 حكومات تشكلت في كل مرة بتزكية من البرلمان، وآخر سلبي خطته مقدرة شرائية متدهورة ووضع اقتصادي متأزم وصراع سياسي متصاعد، وهو ما يدعو إلى القيام بمراجعة سريعة لطريقة إدارة الدولة، تسبق محاولات "الصائدين في الماء العكر" إيهام الرأي العام بأن الثورة وهم لا بدّ أن يستفيق منه الجميع.

وهنا تصبح المراجعات في تونس وفي بقية بلدان الربيع العربي ضرورة ملحّة، وهي الرسالة الأولى التي على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين استيعابها قبل فوات الأوان.. فالثورات تقودها الشعوب وتستجيب لها الدولة، وإن فشل التأطير اندلعت من جديد بحثا عن تصحيح المسار، وهو ما قد يحصل في تونس إذا ما استمرّ اللهث وراء المناصب دون احتواء الغضب الشعبي السائر في طريقه نحو الانفجار لضم شعارات جديدة إلى تلك الشعارات التي خلّدها التاريخ من قبيل "شغل حرية كرامة وطنية" و"الشعب يريد إسقاط النظام"…

وعلى رأي الشاعر التشيلي بابلو نيرودا: "لكم أن تقطفوا كل الأزهار.. وتبيدوا جميع الورود.. لكنكم لا تستطيعون إيقاف الربيع".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.