عن فيلم “أحمد التليلي ذاكرة الديمقراطية”.. ماذا لو عمل بورقيبة بما جاء في رسالة التليلي؟

 يسرى الشيخاوي- 

رغم المحاولات المتتالية لكشف النقاب عن بعض الحقائق التي أريد لها الاغتيال في تاريخ الحركة الوطنية، ماتزال زوايا كثيرة مظلمة لن يُكتب التاريخ الصحيح إلا بإنارتها.
باقتفاء بعض الوقائع التي أسقطتها ثقوب الذاكرة الوطنية عمدا او سهوا ينسج بعض المخرجين تفاصيل أفلام وثائقية تسائل التاريخ وتشرّع أبواب التفكّر في حقيقة الوقائع المنقولة من الماضي إلى الماضي.
في الذاكرة الوطنية، نبش المخرج عبد الله شامخ في مسيرة المناضل أحمد التليلي ولامس خفايا مازلت تستدرّ الكثير من الأسئلة وكان وثائقي " أحمد التليلي ذاكرة الديمقراطية الذي أنتجه شاكر بوعجيلة بمساهمة من البريد التونسي.
معارض شرس ووطني حدّ التخاع، وسياسي ديمقراطي، بل إنه أول من خبر معنى الديمقراطية ومارسها ودفع ثمنها منفى اختياريا في فرنسا وتهديدات أقضت مضجعه وجعلته يهوم أيام وليال بين القطارات، بعض من ملامح التليلي كما صوّرها الفيلم. 
وإن كان الفيلم وثيقة سينمائية تخلّد ذكرى سياسي ونقابي لا يشبه إلا صموده ونضاله وحبه لتونس، فإنه لايراود الذاكرة ولا يخاطب العقل فقط وإنما يستثير العاطفة من خلال سلاسة الانتقال بين الشهادات وجمالية المشاهد.
زوايا مختلفة للتصوير تغرقك في تفاصيل الشهادات وتسافر بالذاكرة إلى قفصة حيث ولد أحمد التليلي في اكتوبر من سنة ستة عشر وتسعمائة وألف ليغادر هذا العالم في جوان من سنة سبعة وستين وتسعمائة وألف، ومن هناك تشكّلت شخصية نقابية ديمقراطية تكفر بالفكر الواحد والحكم الفردي وتنادي بالتعددية.
بعض اللقطات الموشّحة بالأبيض والأسود، تغرقك في هالة من التفكير عن كل السنوات التي مرّت على هذا البلد الذي تجاذبته الأهواء السياسية والمصالح الذاتية وتتشرّع أبواب الأسئلة على صدى صوت المدير العام للأرشيف الوطني هادي جلاب " تونس خسرت الكثير بعد العمل بما جاء في رسالة أحمد التليلي".
ماذا لو عمل رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة بما جاء في الرسالة التي بعث بها  المناضل أحمد التليلي في شهر جانفي من سنة ستة وستين وتسعمائة وألف؟ماذا لو ألقى بالا لما فيها من تشريح للوضع الاجتماعي والسياسي والنقابي؟ ماذا لو جسّد الحلول التي اقترحها على أرض الواقع؟
أسئلة كثيرة، يجب عنها الواقع الذي تعيشه تونس اليوم إذ ضاعت عليها فرصة ان تعانق الديمقراطية عشر سنوات بعد الاستقلال لكن قدرها أن تهدر السنوات وراء السنوات ويظل الإصلاح رهين التجاذبات.
في شهادات من عاصروا أحمد التليلي، كان الوجع يتسلل من بين الكلمات، وجع على مناضل دفع ثمن صراحته وشجاعته باهضا، وجع على سياسي صاحب مشروع كان يمكن أن تكون به تونس على غير ماهي عليه اليوم.
ومن بين الشهادات المؤثرة في الفيلم شهادة النقابي صادق علوش وهو يتحدّث عن تنبيه أحمد التليلي من محاولة اغتيال في منفاها، الأمر الذي جعله يغادر النزل الذي جمعهما ويقضي ثلاثة أيام بلياليها بين عربات القطارات، وأنت تستمع إلى كلماته تتواتر في ذهنك صور كثيرة وتتساءل عن الوضعية النفسية لرجل قدّم الكثير لبلد لم يستوعب ساسته رأيه الحر.
 بعد رحلة الهروب، كانت الرسالة الخالدة، الرسالة البرهان على أن أحمد التليلي ذاكرة الديمقراطية، رسالة مطوّلة باللغة الفرنسية باح فيها بكل مايعتمر في ذهنه وسطّر فيها الطريق إلى الديمقراطية، لكن بورقيبة لم يرهذه الطريق حينها، كل ما رآه منزلة العداوة التي وضع فيها التليلي.
وفي العمل الوثائقي الذي ينبش في ذاكرة الحركة الوطنية ويسرّب النور إلى بعض الزوايا المظلمة، كانت رسالة أحمد التليلي الفاتحة والخاتمة لكونها حافظة لأول عهد تونس بالديمقراطية.
معارك المناضل التي خاضها من اجل الحرية والديمقراطية، تحرّكه ضد الاستعمار، تجربته في البريد التونسي، موقفه من التعاضدية وخلافه مع السلطة، ثنايا كثيرة أوغلت فيها كاميرا المخرج عبد الله الشامخ.
وإن نفضت الشهادات العبار عن بعض الحقائق إلا أنّها أيضا أثارت الكثير من الشجن والوجع خاصة في شهادة النقابي صادق علوش الذي يستثير الدمع في الأعين وهو يحاول أن يقطع الطريق على شهقة باغتته.
تفاصيل مغّيبة، حضرت في الوثائقي وتجلّت التضييقات التي عرفها التليلي في شهادات من عاصروه ولعل بعض المواقف الدرامية التي عاشها المناضل هي التي صبغت الوثاقي بمسحة عاطفية مربكة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.