عن رفع القبعات زمن الكورونا…

 أمل الصامت –

في الثقافة الغربية والتي طبعت عادات المجتمعات العربية بشكل أو بآخر، ترفع القبعات عادة احتراما وتقديرا لمجهودات أثمرت نتائج لم تكن متوقعة خاصة وإن تعلق الأمر بأزمة حقيقية تعترض مجموعة أفراد أو فئة معينة أو شعب بأكمله.. وهذا ما هو إلا تعريف عابر لحركة جسدية على بساطتها إلا أنها حمالة معان عميقة لا ينال شرفها إلا الأبطال الحقيقيون.

وفي ظل تسارع اشتداد الأزمة في أرجاء عدة حول العالم بسبب جائحة كورونا، فمن المؤكد أن أنظار الشعوب بأكملها تبحث عن ذلك البطل الذي يستحق أن ترفع لأجله القبعات، إذ يصبح التفكير في هوية المنقذ والمعجزة التي سيحدثها المهرب الوحيد من شبح الموت الذي أصبح يطارد الكل بلا هوادة، وليس الرأي العام التونسي بمنأى عن هذا التفكير.

في تونس ومنذ الاعلان عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد، والتركيز كل التركيز كان منصبا على تصريحات القيادات العليا للبلاد من رئيس حكومة ورئيس دولة ورئيس مجلس نواب شعب، والذين فشلت أغلب خطاباتهم الاولى في بعث شيء من الأمل في تجاوز الازمة باخف الأضرار مقارنة بالدول الأخرى والتي كانت وطأة اللعنة كبيرة عليها، على غرار الصين وإيطاليا وفرنسا، والتي تعتبر دولا قوية اقتصاديا وبالتالي كان يفترض أن تكون امكانياتها اعلى لمجابهة الكارثة.

تلك الخطابات التي وصفها مختصون في علوم الاتصال والقانون والسياسة وحتى فئة ليست بقليلة من الشعب التونسي، بالفاشلة، لعلها كانت السبب الأبرز في عدم تفاعل المواطنين مع التوصيات والاجراءات المتبعة للوقاية من الفيروس الذي حصد آلاف الأرواح حول العالم، فربما كانوا ينتظرون خطابا أكثر جرأة وقرارات أكثر صرامة.

وقد لا يستطيع احد إنكار تطور أسلوب هذه الخطابات في ثاني ظهور لكل من رئيسي الجمهورية والحكومة قيس سعيد وإلياس الفخفاخ، وإن تفوق الثاني على الأول في آخر مواجهة لهما مع الشعب التونسي، بُعيد إعلان الحجر الصحي العام، رغم تواصل انعدام الثقة وخلق المقارنات سواء من ناحية الشكل أو المضمون بين ما جادت به قريحة هذا وذاك وبين ما أعلنته قيادات دول اخرى على غرار رئيسي فرنسا والولايات المتحدة ورئيس الوزراء البريطاني…

ووسط كل هذا التململ والانتقادات، كانت وزارة الصحة بقائدها وجنودها خاصة في ما يتعلق بالاسلوب الخطابي نقطة ضوء وسط العتمة، حتى ان هناك من نادى بأن يتم تكليف الوزير عبد اللطيف المكي أو مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية أو مدير الرعاية الصحية الأساسية شكري حمودة دون غيرهم بالتواصل مع الرأي العام حول كل ما يتعلق بمستجدات الوضع الصحي بالبلاد وكل القرارات المتخذة والاجراءات المتبعة درءا لأي التباس قد يحدثه الاسلوب الاتصالي الضعيف لمن يفترض أن يكونوا في الصف الأول لهذه المهمة.

وإن بدا عبد اللطيف المكي مرتبكا غير ماسك بزمام الامور في أول ظهور اعلامي له يتعلق بملف كورونا، وكان ذلك ساعات بعد تسلمه الوزارة من سلفه سنية بالشيخ، إلا أنه تفوق على نفسه في أغلب إطلالاته عبر وسائل الاعلام من خلال خطاب ميزته لغة يفهمها الجميع، حتى انه كان إن اخفق رئيس الدولة في تفسير إجراء ما يتدارك المكي الأمر ويبسط المفاهيم، وإن جاءت القرارات التي يعلنها رئيس الحكومة غير واضحة كان هو المعجم لكل المعاني الغامضة، وإن لم يفعل هو حلت محله الدكتورة بن علية أو الدكتور حمودة.

ولا يعني ذلك أن المكي لم يخطئ البتة في تواصله مع التونسيين سواء من وراء شاشة التلفاز أو مصدح الإذاعة، ولعل الندوة الصحفية الأخيرة ذات 25 مارس 2020، أكبر دليل على ذلك، إذ بدا وعلى غير العادة غير ملم بتفاصيل كان يود الراي العام الاطلاع عليها، خاصة مع حالة الهلع التي انتابته فور إعلان موعد الندوة والحال أن مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية أكدت قبل يومين فقط انتهاج خيار الاكتفاء ببلاغات حول مستجدات الوضع الوبائي والتخلي عن الندوات الصحفية إلا عند الضرورة، للتقليص من الاحتكاك بين المجتمعين والحفاظ على سلامتهم.

وهنا ظهر الوزير الذي رفعت له القبعات حتى من المعارضين السياسيين له، غير ملم بحيثيات كان من المفترض أن يكون ملما بها مثلما تعود عليه الصحفيون والمواطنون منذ وفود فيروس كورونا إلى البلاد، إلا أن كل السابق يبقى شفيعا له، وهو الذي برع في دوره التحسيسي والتوعوي من خلال خطاب سلس وصارم في آن، ولكن يبقى السؤال المطروح هل من بدّ لرفع القبعات اليوم لأي كان ونحن مازلنا لا نعلم متى ستنتهي الأزمة وكيف؟

في الحقيقة إن كان رفع القبعات ضروريا في الوقت الحاضر، فهو أمر لا يستحق أن ينال شرفه سوى جنود الجيش الأبيض من إطارات طبية وشبه طبية، وأعوان نظافة وأمن وجيش وكل المليون ونص تونسي الذين استثنتهم اجراءات الحجر الصحي الشامل من التوقف عن العمل حتى يأمن العشرة مليون ونصف تونسي المتبقين من خطر العدوى بالفيروس اللعين..

فإلى كل شخص مازال غير ملتزم بإجراءات الحجر وحظر التجوال، وإلى كل فرد يستخف بعدُ بخطورة الوضع ولم يع قيمة التضحيات التي يقدمها هؤلاء العزّل إلا من حسهم الوطني والانساني.. رجاء كل الرجاء "شدّ دارك"، فلعل ذلك أهم بكثير اليوم من حركة رفع القبعات التي لا شك أننا سنشهدها يوم ننتصر على الوباء.

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.