عن أي حرب أهلية نتحدث؟ من سيُلهبها ويُديرها؟

احتجاجات في العاصمة تونس

 

لا يختلف عاقلان أن الكلمات التي يلقيها الفاعل السياسي كونها اعتباطية أو عفوية بل إنها تترجم أفكاره وتوجهاته، وما الكلمات المكونة للخطاب السياسي إلا أداة رابطة بين رجل السياسة والشعب المتلقي، ومن يحبّ السلام يحرص عليه ومن يتعبّد العنف والشر يحرّض عليه.

وغالبا ما يعدّل رجل السياسة خطابه وفقا للموقف الذي يتواجد فيه والمكانة التي يتمركز داخلها، فلا سلطة تدعو للانتفاضة عليها ولا معارضة تمجد الهدنة والصمت.

ومن هنا بدأت الحكاية في تونس.. رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي قال "لا تصوّر لتونس بدون طرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هذا مشروع حرب أهلية".

ولا يخلو هذا التصريح الذي أدلى به شيخ النهضة من أبعاد ودلالات منها ماهو سياسي ومنها ماهو اجتماعي وأمني.

وهذا التصوّر الذي ورد في كلام الغنوشي، أن تونس دون حزبه ودون إسلام سياسي ويسار، هو تصور مفخخ سياسيا واجتماعيا جرّه إلى جدران السجن وجعله محلّ ملاحقة قضائية بتهم شديدة الخطورة.

وقد يفهم أنصار الغنوشي كلامه أنه يرغب في  العودة إلى مربع الحكم التوافقي وتقاسم السلطة بين جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي مهما اختلفت ألوانها، لكن يرى التونسيين من غير الداعمين له كونه تهديدا صريحا للأمن القومي ووعيد لخصمه قيس سعيد باثارة الفتنة في تونس في حال استمر (سعيدّ) في إبعاد الإسلاميين واليساريين عن دوائر الحكم.

كل متابع لتصريحات راشد الغنوشي، يعي جيدا أن مصطلح الحرب الأهلية الذي وظّفه راشد الغنوشي في خطابه السياسي لا يعدّ غريبا على لسانه ولا عن أسلوبه التواصلي، فهو في كل مرة يتحدث عن حرب أهلية تهدد السلم الاجتماعي في تونس وتفتح الباب أمام الفوضى.

السؤال المطروح هنا، ما هي حجج راشد الغنوشي التي استند عليها في قوله أن الحرب الأهلية في تونس ممكنة؟ فلا أرض تونس عاشت في تاريخها حروبا أهلية ولا شعبها شعب طوائف وفتنة وملل عديدة، بل هو شعب يريد الحياة بلا قتل وعنف ويحب التسامح والتعايش السلمي.

عن أي حرب أهلية في تونس يتحدث راشد الغنوشي؟ حرب بين تونسيين داعمين لسعيد وآخرين داعمين له والأحزاب السياسية؟ هذا أمر مستحيل، وهو أضغاث أحلام وأقوال أراد بها قائلها التهويل والتخويف لإرغام الحاكم في تونس على اقتسام السلطة معهم.

وفي الحقيقة يصبح الأمر مخيفا إذا ما تحدثنا عن وجود نوايا لإثارة حرب أهلية في تونس وإدارتها في سبيل السلطة وفي سبيل اعتلاء المناصب وكراسي الحكم، وهذا الأمر يجرنا فعلا إلى التساؤل عمن قد يثير حربا أهلية في تونس ويديرها وما مدى استفادته منها خاصة وأن محاولات حصلت بعد الثورة التي حصلت سنة 2011 باثارة بعض المشاكل العروشية في بعض المدن التونسية وحصلت جزئيا في تقسيم الشعب إلى "مسلم" وملحد و زلم من أزلام النظام السابق.

في المحصّلة، يبدو واضحا وجليا أن ما أدلى رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي ربما يتقارب مع ما يوحي له عقله وفكره أكثر مما يتقارب مع التاريخ المجتمعي التونسي،وتونس لن تكون يوما أرض ظلاميين ولا ارهابيين ولا مسرح حرب أهلية ولا دولية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.