عـشـر سـنوات على اغـتيال بلعيد: قُتل المنفّذ وتخفى المُدبّر

هل من مصلحة  كمال القضقاضي أن يقتل الصوت الصادع بحب الدولة المدنية الديقراطية الخالية من سرطان الدم والعنف؟ صوت شكري بلعيد.. لماذا وقع الاختيار على بلعيد؟ ربما لأنه الصوت الأكثر دراية بمخططات دعاة القتل والفتنة والعنف المتلحفين بغطاء الدين.. هو سيناريو دُبّر بليل ووقعت تزكيته في منابر المساجد وفي بعض البلاتوهات التلفزية والإذاعية، فبقدر ما كان حدث الاغتيال صدمة كبرى  بقدر ما كان الاختيار على بلعيد غير مفاجئ لأسباب يعلم الجميع أنها تتعلق بوجوده في الصف الأول في محاربة الظلاميين.

ولا يختلف عاقلان بشأن أن الرصاصة التي اغتالت  المناضل شكري بلعيد  هي رصاصة يُراد بها إخماد صوت عال  تحدث عن مخططات واستراتيجيات لتأسيس جماعات إرهابية في المنطقة العربية بتزكية من أنظمة دولية وإقليمية وأحزاب  سياسية ذات توجهات يمينية، ومن هذا المنطلق يتضح حتما أن كمال القضقاضي مجرد حلقة من سلسلة التخطيط لعملية الاغتيال، وجاءت بعدها عملية اغتيال الشهيد محمد البراهمي دليلا حتميا على أن الجهة المستفيدة من  الاغتيالين هي التي فتحت أبواب تونس أمام الدعوات للعنف والاغتيال.

المستفيد إذن من اغتيال بلعيد هو بكل بساطة ذلك الكيان الفاشي الإرهابي الذي تحركه غريزة سحل الخصوم  والقتل والانتقام والكراهية وهي غريزة لا يمكن أن يسيطر عليها لأنها هي جوهر وجوده،.

ومؤكد أيضا أن هذا الاغتيال هو اغتيال سياسي، ليس لأن بلعيد شخصية سياسية، بل لأن طرفي العملية، الشهيد المتوفي والجهة المدبرة،سياسيان وكذلك أهداف الإغتيال سياسية، وهذه المسلمات تبرئ كمال القضقاضي، سياسيا، من التدبير للاغتيال وتثبت فكرة كونه أداة تنفيذ فقط.

الحقيقة أن الأسئلة لا تنتهي في هذه القضية، من أخفى وثيقة التحذير من اغتيال بلعيد التي أرسلتها الاستخبارات الأمريكية؟ لماذا أخفاها ؟ وهل يعد هذا الإخفاء مساهمة صريحة في الاغتيال؟ هنا نجد أنفسنا وجها لوجه أمام جريمة دولة، تورط فيها من كانوا على رأس وزارة الداخلية أيام الاغتيال وساهمت فيها السلطة الحاكمة أنذاك بكل مسؤوليها السياسيين والتنفيذيين، فالوثيقة ليست مجرد إشعار وإنما تحذير بعملية اغتيال لم يتم متابعتها وتوفير الحماية الأمنية للشهيد بلعيد، وذلك ما أكده سابقا الطيب العقيلي عضو مبادرة كشف الحقيقة في قضية اغتيال شكري بلعيد.

ومع بقاء القضية بعد مرور عشر سنوات على اغتيال بلعيد منشورة لدى القضاء، تستبد بأفكارنا أسئلة أخرى كثيرة، وخاصة منها ما يتعلق بالجهاز السري الموازي المنسوب لحركة النهضة المتهمة بالجمع بين جناحين مدني وآخر عسكري،لاختراق أجهزة الدولة، للتجسس على خصومها، فإلى أي مدى ساهم هذا الجهاز في إنهاء حلم شكري بلعيد وعمل على إطفاء شمعة مضيئة؟

ويبقى القضاء، إحدى أهم حلقات التحقيق في قضية الحال وهو الخيط الرابط  بين التدبير للاغتيال وإخفاء المدبّرين، وربما ستحرر قرارات إعفاء قضاة تستروا على ملفات الاغتيال  وعلى رأسهم البشير العكرمي والطيب راشد هذا المرفق من سطوة جهات نافذة على حيثيات الأمر بالقتل، وربما ستتقلص اللخبطة وتنخفض صفقات إخفاء الحقائق.

اليوم وبعد عشر سنوات على اغتيال الشهيد السعيد، صحيح أن الشكوك في عملية الاغتيال لا تنحصر فقط في الجهة التي نفذتها بل إن الكيان الذي خطط له بات محاصرا تقريبا بالكثير من الأدلة المادية لكن مازال يتخفى باعتماد بعض أجهزة الدولة وجزء من المرفق القضائي وماكينات إعلامية أجنبية.

سيبقى سرّ الاغتيال كابوسا يحاصر أعداء بلعيد إلى أن تنكشف الحقيقة، وسيبقى الكشف عنه حتمية تاريخية.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.