عرض “ميراث” على ركح قرطاج: إيقاعات تصرخ “لكُم موسيقاكم ولنا موسيقى”

أمل الصامت –

لعلهم مختلفون في المظهر، لهم لباس خاص وقصة شعر غريبة، حتى رقصتهم فريدة من نوعها، فقد تشبه “تخميرة” الحضرة أو النوبة، إلا أن المؤكد أن الذوق الموسيقي لديهم مختلف عن الذوق السائد في المجتمعات العربية التي اعتادت الموسيقى الكلاسيكية أو الشعبية المحلية أو تلك المرتبطة بالتراث.

هذه ربما لمحة عن صفات الجمهور الذي لم يترك غير أماكن قليلة شاغرة في مدارج مسرح قرطاج في سهرة الخميس 19 جويلية 2018، ليلتقوا أبطال فرقة “ميراث” المختصة في موسيقى “الروك”، في عرض الـ”شهيلي” الذي كان ساخنا بكل المقاييس، وحوّل هؤلاء المختلفين ربما عن غيرهم من الجماهير، من أقلية إلى أغلبية.. أغلبية من فئة عمرية شبابية ولكن جلبت معها كبارا في السن بينهم من بدا مولعا هو الآخر بموسيقى الروك وبينهم من جاء لمجرد المراقبة.

الاختلاف شامل…

الركح كما المسرح، بدا هو الآخر مختلفا بسينوغرافيا أقل ما يمكن القول عنها إنها مميزة.. شاشة عملاقة تحمل الرمز الخاص بفرقة “ميراث”، تحولت فيما بعد إلى عاكس للمؤثرات الضوئية أضفت بريقا هائلا على العرض، يتوسطها ديكور لفضاء وكأنه مستوحى من مجلس بدوي بلمسات عصرية، ترك المجال على يساره لآلة “الأورغ” الكهربائي، وعلى يمينه لآلات “الدرمز” الإيقاعية، ليتقدم عازفان على آلة الغيتار الكهربائي ومغني الفرقة المشهد فور انطلاق العرض.

ولم يقتصر العرض على المؤثرات الضوئية والموسيقى الصاخبة التي مزجت الغربي بالطبوع التونسية والإيقاعات شمال افريقية والمقامات الشرقية، إذ أضفت الراقصة الجورجية بثوبها الشرقي وحركاتها الحادة، حدة الموسيقى المصاحبة، جمالا لا يقل أهمية عن روعة العرض الذي قدمه أبطال “ميراث” حتى وإن كانت موسيقاهم لا تخاطب جميع الأذواق، فهي كما أسلفنا الذكر تشبه الجمهور الذي لبى نداءهم في عرض هو الاول من نوعه لهذا النمط من الموسيقى في إطار مهرجان دولي.

موعد التخميرة

كانت الساعة تقترب من العاشرة ليلا عندما فتح المجال امام عدد من الجمهور الحاضر للنزول إلى الفضاء الذي استبعدت منه الكراسي ليتحول إلى ساحة كانت كافية لأداء رقصة لا يؤديها غير عشاق هذا النمط الموسيقي، في مشهد تشابكت فيه الايادي وهزت في الرؤوس والأجساد بكاملها وكأنها الـ”تخميرة” ولكن على إيقاعات “الروك” لا الحضرة.. مشهد ساهمت في خلقه “دخلة” الفرقة الموسيقية التي ارتجت لها المدارج لشدة صخبها.

ربما هو نوع من “الجنون” الموسيقي الذي عرف عدة انتقادات لم تكن حكرا على المجتمع التونسي أو غيره من المجتماعات العربية، بل حتى المجتمعين الأمريكي والبريطاني اللذين عرفا نشأة هذا النمط الموسيقي منذ أربعينيات القرن الماضي، اعتبر المحافظون فيهما أنه نوع من التفسّخ الأخلاقي وسبب في تنامي العنف والجريمة، وقد بلغ الامر حتى اتهام المولعين بموسيقى “الروك” بعبدة الشيطان خاصة في المجتمعات العربية الاسلامية لمجرد اختلاف ذوقهم الموسيقي عن السائد.

الموسيقى الرسالة

ويبدو أن فرقة “ميراث” عملت كثيرا على إسقاط هذه النظرة في عرض قرطاج، الذي قال مغني الفرقة زاهر الزرقاطي عنه إنهم نجحوا في الحصول عليه “بالذراع” خلال كلمة توجه بها إلى جمهوره إثر ثالث أغنية أداها بعد أن استنكر في كلمة تلت الأغنية الأولى التشكيك في نجاح العرض واستقطابه لعدد محترم من الجماهير بالقول “قلك ما يعبوش”.

ولم يغفل عرض “الشهيلي” عن تكريم أرواح شهداء تونس من المؤسستين الأمنية والعسكرية من خلال أغنية “استرجع حريتك” (Get Your Freedom Back)، كلمات قد تعيقك الموسيقى عن سماعها خاصة إن كنت لا تحفظها، ولكنك قد تلتقط من بينها معاني تقشعر لها الأبدان.. معاني تجمع بين الحرب من أجل الحرية والثورة بهدف النهوض والإصرار على الحياة بعيدا عن أي قيد أو استعباد.. وقد تجد نفسك تهز براسك وجسمك، تفاعلا مع الموسيقى وما تخلقه فيك الكلمات من وقع، مثل أولئك الذين تصفهم ربما بالمختلفين عنك.

رغم أن تجربة ميراث لم تتجاوز 15 سنة عرف فيها الفريق العديد من التغييرات إلا أنها نجحت في تنظيم 400 عرض حول العالم، توجت بعرض قرطاج الذي بعث روحا جديدة من الفخر والاعتزاز بما تقدمه المجموعة من موسيقى غربية إلا أنها تحمل نفسا تونسيا لا يمكن إنكاره، مثلما صرح بذلك نجوم الفريق في ندوة صحفية تلت العرض.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.