عرض “تريو بوليود” في أيام قرطاج الموسيقية: وجه التنظيم”الكئيب.. ووجه “راجستان” البهيج

يسرى الشيخاوي-
 
يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه "دون الموسيقى ستكون الحياة غلطة"، وفصل المقال في مواكبة  العرض الرابع في أيّام قرطاج الموسيقية  إنّه لولا شغف البعض بالموسيقى الهندية، لما كانوا انتظروا عرض "تريو بوليود" الذي انطلق بعد ساعة من الموعد المحدّد.
 
ولولا "فرادة" الموسيقى الهندية التي انتشرت عبر الصناعة السينمائية البوليودية، لكان انتظار العرض غلطة، هي حلقة أخرى من مسلسل فوضى التنظيم في أيام قرطاج الموسيقية، حيث كاد الترتيب أن يكون استثناء. من الوارد أن يتأخّر عرض لأسباب تقنية أو غيرها ولكن من غير المنطقي أن يكون التأخير لمدّة ساعة، تأخير قد تتآكل معه حماسة المشاركين والحاضرين في العرض.
 
انتظار هدر 3600 ثانية بالتمام والكمال، كان يمكن أن يسافر فيها محبو الموسيقى الهندية مع الإيقاعات التقليدية، ولكن جرت رياح "التنظيم" بما لم تشته سفن الجمهور، وأطلّ "تريو بوليود" على ركح مسرح الأبرا بمدينة الثقافة، جلسوا القرفصاء على أرضية الركح وولوا وجوههم شطر آلاتهم والجمهور.
 
وفي انطلاقته، بدا العرض باهتا وكانت الأضواء خافتة، خاصة وأنّ العرض يخلو من الطابع الفرجوي، والنغمات المنبعثة من آلة "الهرمنيوم" التي عزف عليها "سيراج خان" لم تبد في البدء مغرية، و"الهرمنيوم" آلة هوائية تعمل بطريقة مشابهة للاكورديون، ينبعث منها صوت يأخذك إلى عوالم الرومانسية، وويرافقها صوت "سراج خان" فيتردّد صداه في قاعة العرض ويتكرّر حتى يخيّل لك أن الآهات لن تنتهي.
 
ولكن حالة الملل التي رافقت العرض في بدايته، والتي قد تكون أيضا ناتجة عن تأخيره بساعة، بدأت تتبدّد شيئا فشيئا وبرز وجه العرض البهيج وأعلن صوت القرع عن ميلاد قصّة عشق من أرض الملوك "راجستان".
 
حكت الإيقاعات الصادرة عن آلة " الميريندانغام" والطبلة الهنديّة، خلجات العشّاق وصولات الهجر والوصل وما بينهما، و" الميريندانغام" آلة شبيهة ببرميل صغير عزف "لوناث خان" على طرفيه، وهو يحرّك رأسه المغطّاة بعمامته الحمراء على وقع نقرات أنامله وكفي  يديه.
 
وأمّا الطبلة الهندية فتتكون من زوجين من الطبل احدهما صغير ويكون بجهة اليد اليمنى والاخر كبير ويكون بجهة اليد اليسرى، عزف عليه "إلياس رافاييل خان"، فتراه تارة يخبط عليه براحة يده وأحيانا بأصابعه وأحيانا أخرى بنقرات خفيفة من أنامله.
 
والموسيقى الهندية تعتمد على اللحن والإيقاع، أكثر من تركيزها على الكلمات، والإيقاعات التي أنشأتها الآلات الإيقاعية راودت حماسة الجمهور فحرّكوا أجسادهم على وقعها وردّدت القاعة التي لم تكن بفارغة ولا ممتلئة بهم، صدى تصفيقهم،وربّما يكون تفاعل الجمهور مع  النسق الموسيقي الذي حمل بين الألحان نوعا من البهجة التي تكتنف اعراس الهنود، ناتجا أيضا عن كون لاستماع إلى الموسيقى الهندية يتطلّب تدريبا للأذن والروح قبل أن تتكيّف معها.
 
كانت الألفاظ غير مفهومة، وحاول "سراج خان" و"إلياس خان" تقديم العروض بفرنسية غلبت عليها اللكنة الهندية، زادهما اللغوي الفرنسي لم يمكّنهما من التعبير بأكثر سلاسة، ولكن ذلك لم يمنع الجمهور من التفاعل مع  بقية العرض.
 
ولأنّ موسيقى الراجستان ذات طابع روحي، يتداخل فيها الأداء الصوتي مع الإيقاع الهرموني، غنّى "سراج خان" أغنية "الله" الصوفية، كان كناسك متعبّد لا يهتم بما حوله، وارتفع نسق الإيقاعات الصادرة عن الطبلة و" الميريندانغام" وكأن بجلسة الصفاء الروحي والذهني تشارف على النهاية.
 
وبقميصه الهندي وقدمين حافيتين، قدّم "الياس خان" وصلة عزف منفرد مزج فيها بين الطبلة و"البيتبوكسينغ"، شارك فيها الجمهور عبر ترديد تنغيم غير مفهوم، مزج بين الإيقاعات الهندية التقليدية وإيقاعات الهيبهوب، ونجح في شدّ الجمهور من خلال توظيفه للغة الجسد في التحرّك على المسرح، حتّى أقحم  الحضور في الإيقاعات التي كانت في البدء مرفوقة بالأصوات التي تنشؤها يديه إذا التقت بالطبل، ثم كان "البيتبوكس" وحده فرقة كاملة متكاملة، قبل أن يدخل في حوار ثنائي مع "لوهاث خان " الذي شاركه العزف على آلة الدف، فكان حوار ثنائيا يدفع إلى الرقص.
 
 وبعد "الطبلة بيتبوكسينغ"، كان للجمهور موعد مع أغنية لشاروخان واغنية بوليودية قديمة وأغنية ثالثة معروفة في راجستان، أغان تسلّل من بينها صوت أساور الهنديات وخلخالهن إذ رقصن، أغان خفّف إيقاعها من وقع الغضب الذي خلّفته فوضى "التنظيم".
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.