عبد اللطيف الحناشي: المستعمر لم يخرج بخفّي حنين.. وهذا سبب اهتمام فرنسا بالنفط التونسي

مروى الدريدي-

ما يزال محتوى الوثائق التي نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة بخصوص الفترة الاستعمارية والتي بينت “استغلال فرنسا للثروات الباطنية التونسية”، بالاضافة إلى فيديو يظهر “الأهمية الاستراتيجية لقاعدة بنزرت لدى الفرنسيين” والذي كشف  كيف أنها كانت مجهزة بمعدّات نووية للتصدي لأي هجوم نووي خلال الحرب الباردة يثيران جدلا حول مدى صحة هذه الوثائق والدوافع والأهداف من وراء نشرها في هذا التوقيت بالذات.

وكانت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين قالت إن الوثائق الأرشيفية التاريخية تحصلت عليها الهيئة من “مصادر لا يمكن الكشف عنها لحمايتها، فيما ذكر بلاغ سابق للهيئة بأنه سيتم عرض الحقائق التي توصلت إليها في تقريرها الختامي لأن معرفة الحقيقة هي “حق لكل مواطن تونسي”.

وثائق معلومة وليست مخفيّة..

في هذا الإطار، أفاد أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي، بأن الوثائق التي نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة حول فترة الاستعمار الفرنسي، معلومة ومتاحة والمختصون في التاريخ الاقتصادي والسياسي على اطلاع عليها، كما أن الطلبة الذين اهتموا بتاريخ تونس الاقتصادي وقضايا الاستعمار تناولوها في بحوثهم الجامعية، مؤكدا أنها معلومة وليست مخفية لكن الجديد هو نشرها للعامّة وهو ما أحدث الضجة بخصوصها.

وتابع عبد اللطيف الحناشي في تصريح لحقائق أون لاين، اليوم الأحد 18 مارس 2018، بأن فرنسا احتلت تونس لمدة 75 سنة واحتلت الجزائر لـ130 عاما وليس من السهل أن تخرج بخفي حنين فكل الدول الاستعمارية لا  تترك مستعمراتها دون ضمان الحد الأدنى من مصالحها الاستراتيجية من خلال اتفاقيات بينها وبين حركات التحرر في تلك المستعمرات، على غرار ما قامت به مع الجزائر وفيتنام،  وبالتالي لا يبدو الأمر غريبا، لكن الغريب هو عدم سعي دول الاستقلال للتحرر من تلك القيود إن وجدت بعد تغير موازين القوى وبعد مرور فترات زمنية طويلة.

ولاحظ الحناشي أن محتوى الوثائق مرتبط بظرفية تاريخية معينة لكن يبقى السؤال هنا، هل أن هذه الاتفاقيات ما تزال مستمرة إلى اليوم؟ هل قامت الحكومات المتعاقبة بإيقافها أو تغييرها أو تحسينها؟، مشيرا إلى أنه من دور المؤرخين هنا البحث في هذه الوثائق وتحليلها وفيما بعد تأتي مسألة مدى استمراريتها.

اهتمام بالنفط التونسي..

وبخصوص إن كان لا يزال العمل قائما بهذه الاتفاقيات إلى اليوم دون تغييرها، قال محدثنا:” صراحة لا أملك معطيات بخصوص هذا الأمر. ما أقوله هو انه كان من المفترض أن تتوقف هذه الاتفاقيات منذ السبعينات بالنسبة للبترول، والسؤال هنا لماذا ركزت فرنسا على النفط ولم تركز على الفسفاط بالرغم من أنها هي من اكتشفته وهو يعتبر ثروة نادرة ولا يوجد في بلدان كثيرة في العالم؟”.

والاجابة عن هذا السؤال وفقا للمؤرخ الحناشي تكمن في أن فرنسا واصلت تجسيد فصلين من وثيقة الاستقلال في جزئها الاقتصادي وهما المتعلقان بالنفط، واهتمامها بالبترول يعود لكونها كانت بحاجة ملحة لتلك الطاقة وهي تعيد بناء بنيتها الأساسية بعد ما تعرضت له من دمار نتيجة الحرب العالمية الثانية، كما أنه مرتبط أيضا بوجود ثروة نفطية ضخمة  في الجزائر وكانت مضطرة لنقله عبر تونس (من عين أميناس إلى ميناء الصخيرة) وتلك الاتفاقيات جاءت في ظرفية محددة ويمكن اعتبارها طارئة.

وفي سياق متصل قال عبد اللطيف الحناشي إن هيئة الحقيقة والكرامة أثارت نقطة يمكن للأطراف السياسية والمدنية أن تطالب من خلالها رئاسة الحكومة بمعرفة مآل هذه الاتفاقيات اليوم والمطالبة بحقوق الشعب التونسي إذا كان مفعولها ما يزال مستمرا، مثمّنا في هذا الخصوص طلب أحد الأحزاب السياسية الحكومة بمراجعة اتفاقية الملح التي ابرمت منذ أواخر أربعينات القرن الماضي.

وقال محدثنا هناك شركات أجنبية ومنها فرنسية تستغل في النفط التونسي بعد اكتشافه في اطار عقود بينها وبين الدولة.

لماذا نشرت الهيئة هذه الوثائق الآن؟

وعن توقيت إصدار هذه الوثائق والحال إنها معلومة، أجاب الحناشي:” إن هيئة الحقيقة والكرامة قامت بنشر وثائق موجودة ومعلومة بالنسبة للمختصين لكن لا نعرف إن كانت الغاية من وراء إثارتها في هذا التوقيت سياسية أم ذاتية أم خدمة لطرف دون آخر خاصة أنّها جاءت في ظرفيّة حساسة تتمثل أولا في أن تونس تعيش أزمة سياسية اقتصادية عميقة وثانيا أزمة هيئة الحقيقة والكرامة مع النخبة السياسية والثقافية والمعرفية، وهو أمر يطرح نقاط استفهام عديدة”.

وتساءل محدثنا لماذا لم  تتفاعل الهيئة مع أساتذة مؤرخين مشهود لهم بالمعرفة والنزاهة والموضوعية والاستئناس برأيهم ومعرفتهم حتى تتبرأ من الاتهامات التي يمكن أن توجه إليها من هنا أو هناك وحتى تعطي لنفسها مصداقية أكثر؟

وفي حال إن كان يحق لتونس مطالبة فرنسا بتعويضات إن كان العمل ما يزال جاريا بهذه الاتفاقيات دون تغييرها، قال الحناشي انه ليس لتونس الحق في ذلك بما أنها لم تطالب بتغيير الاتفاقيات، مبينا أن جزءا من مصالح فرنسا مرتبط بتونس إذا ما أخذنا بعين الاعتبار 75 سنة استعمارا.

وطالب الحناشي النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة بالعمل معا والسعي إلى تعديل بنود الاتفاقيات إذا ثبت أنها ما تزال سارية المفعول إلى اليوم، خاصة بعد مرور 62 سنة على الاستقلال وهو أمر شرعي يجب العمل عليه.

وكانت بن سدرين دعت إلى ضرورة مطالبة فرنسا بدفع تعويضات للدولة التونسية بسبب “الأضرار الجسيمة التي لحقتها” نتيجة استغلال المستعمر الفرنسي لثرواتها الباطنية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.