صندوق التضامن 26/26: “جباية” تدرّ الملايين تنكرت لسنوات بلحاف الاعانات

يسري اللواتي-




نهاية كل سنة كان كل التونسيين قبل جانفي 2011، مجبرين على آداء "جباية" اضافية على الآداءات الأخرى التي تقتصها أجهزة الدولة بصفة شهرية، كانت هذه "الجباية" تتلحف بغطاء مساهمات أو اعانات للمعوزين والمحتاجين لم يستثن منها أحد حتى الطلبة والتلاميذ، وقد كان التجمع الدستوري الديمقراطي يلعب دورا أساسيا في جمع موارد "صندوق التضامن الوطني 26/26"،وتنميتها من سنة الى أخرى، وقد كان ذلك بمثابة التحدي والمنافسة بين كل المنخرطين.
 
يوم 8 ديسمبر 1992، أعلن الرئيس السابق بن علي عن تأسيس الصندوق الوطني للتضامن 26/26، بعد زيارة آداها لمناطق في الشمال الغربي، وكان الهدف من انشاء الصندوق وقتها تسريع انفتاح تلك المناطق أو مناطق "الظل" ضمن الدورة التنموية وتحسين الظروف المعيشية لسكانها وضمان قاعدة اقتصادية في هذه المناطق من خلال المشاريع المدرة للدخل، الا أن الأحداث التي تبعت شهر ديسمبر 2010 بينت زيف هذه الادعاءات.
 
وبعد عام 2011، بان للتونسيين أنه لم يكن هناك تبرعات تطوعية، بل في الحقيقة تبرعات إجبارية يفرضها نظام زين العابدين بن علي، حيث يجب على الشركات دفع دينارين شهريا عن موظف، والموظفين بدورهم يتم اقتطاع يوم عمل من أجرهم للصندوق، والفلاحين يأخذ 1% من مبيعاتهم، ويؤحذ ما بين نصف دينار ودينار واحد عن التلاميذ والطلبة، وهكذا دواليك، وتعتبر من قبل البعض كضريبة تقديرية.
 
وخلصت هيئة الحقيقة والكرامة في التقرير الختامي الذي نشرته الشهر الفارط، الى أن المداخيل السنوية للصندوق كانت من بين المسائل التي تلعب فيها لجان التنسيق بالتجمع دورا مهما خلال شهر ديسمبر من كل سنة حيث توكل مهمة جمع التبرعات والمساهمات المادية لكل العناصر التجمعية في كامل الجهات مستغلين في ذلك نفوذهم سواء الأمني أو السلطوي.كما يتم وفق نفس المصدر اجبار كل المواطنين على المساهمة المادية وهو ما يعني ولائهم لمبادئ الحزب الحاكم آنذاك وتوجهات النظام.
 
ولعل كل هذه الممارسات كانت تخص المواطنين، إلا أن رجال الأعمال كذلك لم يسلموا من سلطة لجان التنسيق الموزعة بالجهات، اذ يتم اجبارهم على دفع مبالغ مالية يتم تحديدها مسبقا ويتم دفعها نقدا أو عبر صك بنكي.
 
وتباعا فقد أصبحت مداخيل الصندوق منذ احداثه في تزايد متواصل نتيجة اكراه المواطنين وكل التجار والصناعيين على الدفع "كعربون" ولاء للحزب الحاكم، ويشير تقرير الهيئة في الجزء الثاني المتعلق بـ"تفكيك منظومة الفساد" الى أن عملية جمع التبرعات أصبحت محل منافسة بين لجان التنسيق المحلية والجهوية هدفها جمع أكثر ما يمكن من الأموال رغبة في الاقتراب أكثر من القيادات الحزبية المتواجدة في الادارة المركزية بتونس.
 
هذا التنافس المتواصل بين لجان التنسيق، دفع بمساهمات الصندوق الى الارتفاع بصفة كبيرة، فقد ذكر تقرير هيئة الحقيقة والكرامة أن مساهمة ولاية سوسة على سبيل المثال قد ارتفعت سنة 1997 من 789 ألف دينار الى 2.194 مليون دينار سنة 2005 ولتبلغ سنة 2009 3.250 مليون دينارا.
 
هذه المساهمات التي تضخ سنويا لحساب الصندوق كانت من مصادر متعددة، اذ ارتفعت على سبيل المثال مساهمة اطارات وأعوان وزارة الداخلية من 63.822 ألف دينار سنة 1993 الى 78.659 ألف دينار سنة 1994 دون اعتبار الولايات والمصالح الجهوية، وقد خلصت الهيئة الى أن كل لجان التنسيق التجمعية قد تمكنت من جمع تبرعات لفائدة الصندوق بلغت أكثر من 40 مليون دينار خلال سنة 2009.
 
هذه الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرف مباشر من أعضاء لجان التنسيق التجمعية لم تسلم من عمليات السرقة والاستيلاء، فقد أفادت الهيئة بناء على معطيات توصلت اليها من خلال الشكايات والمراسلات الواردة على الادارة المركزية للتجمع، انه تم جمع مبالغ مالية دون تسليم أصحابها وصولات تثبت قيمة المبلغ المدفوع اضافة الى تعمد بعض العناصر الى جمع تبرعات مادية أكثر من مرة في السنة لفائدة حسابهم الخاص.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.