عن قصة بائع الهندي منصف هوايدي: عندما يفتح الشوك طريقا للأحلام

بقلم:  مالك الزغدودي –
 
فوق رصيف الميناء الترفيهي بمدينة طبرقة، ينتصب بائع متجول تجاور اليخوت وقوارب الصيد عربة التين الشوكي (الهندي) الخاصة به.
 
منصف هوايدي الكهل الذي تجاوز الأربعين بقليل، يعرفه سكان طبرقة منذ سنوات بنفس الهيئة الخارجة عن السائد والمألوف، شعر طويل ولحية أطلقها للريح، دائما يحمل حقيبة جلدية تحتوي على كتب في الأغلب هي روايات، فهو عاشق لكتابات محمد شكري وحنة مينة، وكان قد قام بتأسيس مكتبة صغيرة في قريته تحتوي خاصة أهم المؤلفات العالمية وعناوين من كتب التاريخ والشعر، مما تمكن من جمعه أو الحصول عليه من الرفاق والأصدقاء.
 
كانت هذه المكتبة الصغيرة مقصد جيل كامل من أبناء قريته البعيدة الهوايدية التي تسكن الجبل الأبيض كما يسميه المعلم أو غيفاروس كما يلقبه المقربون وأهل المدينة.
 
تتشابه قسوة الظروف الإقتصادية لمنصف مع الكثير من التونسيين خاصة من فئة الباعة المتجولين، لكنهم اتفقوا على أن الكرامة هي الأساس وأن الخبز يقتلع بعرق الجبين وبشوك الهندي كما فعل "أبو صقر".
 
غزت صور منصف الهوايدي أب الثلاثة أبناء المتأهبين للعودة المدرسية، وهو الأب الذي يكدح صباحا مساء حتى يرى حلمه يتحقق في عيون فلذات كبده. 
 
هو الآخر عاد السنة الماضية إلى مقاعد الدراسة، من أجل اجتياز مناظرة البكالوريا، ومن ثم الإلتحاق بالجامعة فقد كتب في الكثير من منشوراته على الفايس بوك، أنه يرغب في الالتحاق بقسم علم الإجتماع.
 
يمكن أن منصف ممصنّف كمثقف محلّي ملتحم بزميلاته بائعات الخضر في سوق طبرقة الدائم، وكان هو في الصف الأول للدفاع عنهن، إذ قام بتنظيم وقفة احتجاجية لاجلهن وتنزيل فديو على الفايسبوك لإيصال أصواتهن إلى الراي العام.
 
المعلم أو "غيفاروس" كما يسميه المقربون، بـ"نصبته" التي تحمل صور الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي و شعارات حملتي "مانيش مسامح" و"فاش نستناوا"، كان صوتا عاليا ضد تجاوزات السلطة المحلية.
 
وفي أخر فديو قام بتنزيله تحدث مطولا عن التجاوزات التى تحصل في الميناء، وعن البناء الفوضوي وصمت البلدية أمام كبار البارونات مقابل ملاحقتها لمن يقاتلون من أجل لقمة العيش، وأكد تعرضه للهرسلة من قبل قوات الأمن أكثر من مرة.
 
تحولت الهرسلة المعنوية إلى حادثة اعتداء ليلة الجمعة، ليتم ايقاف منصف بشكل مفرط في القوة، تحدث عنه شهود العيان والشهادات المنشورة من أصحابها على الفايس بوك، ثم أيدها فيديو منشور سجل لحظات الاقتياد إلى السيارة مع وابل من اللطم (الكف) وطلب من المواطنين المحتجين على المعاملة بمغادرة المكان (برى روح )، في اسمى تجليات خرق القانون.
 
وجدت الحادثة تعاطفا كبيرا على وسائط التواصل الإجتماعي من مختلف الشرائح، وقام النشطاء على الانترنت بمشاركة صور المنصف والكتابة على الحادثة رفضا للظلم السافر الذي تعرض له، وقد أطلق منذ قليل سراحه وسيحال غدا أمام نظر المحكمة في حالة سراح، بتهمة باتت متكررة في الفترة الأخيرة وهي "هظم جانب موظف عمومي أثناء أداء مهامه".
 
هذا هو منصف الهرابي الذي حارب انسداد الأفق وصعوبة الظروف الإقتصادية، وجعل من شوك الهندي الذي يخترق جلده كل يوم لقمة عيش له ولعائلته وأبنائه ليعيش حلم تفوقهم الدراسي… هو أبو صقر الذي جعل مكتبته الخاصة على ذمة كل من يرغب في القراءة لمحاربة الجهل وتوفير حق الثقافة في قريته المحرومة من أبسط المرافق… ربما هو الميناء الذي يحظر دائما تواد الأبطال المدافعين على صوت الحق.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.