يسرى الشيخاوي-
ليس المسرح إلا امتدادا للخلق فيه بعض من أرواح المخرج والممثلين وأنفاسهم وصدى للواقع بما يؤويه من فرح وترح، وهو تعبيرات جمالية عن أفكار وتمثّلات تعتمر بدواخل ذوات أنهكتها الحقيقة.
كلمات وحركات وإيحاءات وأضواء وأنفاس وأهات وابتسامات ونظرات وصمت يقصر أو يطول على نسق الانفعالات، تعبيرات مختلفة عن الواقع تنهل منه لتتمرّد عليه على الخشبة.
قراءة فنّية كافرة بالسائد والمألوف، مسرحية مزاجها من اختلاف هي " شدّوني لا… " للمخرجة آسية الجعايبي، مسرحية تمرّدت فيها المخرجة على واقع المسرح في تونس وانطلقت منه لتعود إليه بقراءات أخرى.
قراءات ليست إلا أجوبة محتملة لأسئلة لا تنتهي عن ماهية المسرحة وعن كينونة المسرحي والنص المسرحي والروابط بين المسرحيين والعلل التي تنخر الجسد المسرحي، نقاط استفهام كثير ترسمها آسية الجعايبي على وجه المسرح وتبحث لها عن أجوبة بين حروف النص وأداء الممثلين والسينوغرافيا.
قراءات قد تجعلك في مواجهة سجال لا ينتهي بين الحقيقة والخيال.
منذ أن تصطدم بعنوان العرض تتحسّس تمرّدا وثورة على الواقع وتحسّبا للصدام مع الآخر الذي اتخذته المسرحية محورا للنقد، "شدّوني لا.." عنوان مقتبس من تعبير عامي نهايته لا تخلو من البذاءة.
في الغالب يصف التعبير وضعية البعض الذين يعتقدون أنّهم يمسكون بأعمدة السماء ويمنعونها من السقوط على رؤوسنا ويتوعدون في كل مرة بإفلات قبضاتهم عنها، وبالركون إليها تربّت على جراح المسرح.
"مُنْ" و"مُعْ" و"طَلْ"، ثلاث ممثلين يحاولون خلق مشهدية مسرحية على الركح ولكن " زلزالا" عنيفا أسرهم في قاعة المسرح، وإن كانوا في الواقع في قاعة الحمراء فإنّ المكان يبدو لك متخيّلا يستمدّ سحره من بشاطة السينوغرافيا ومن "الغرافيتي" التي تزيّن الحائط خلف الركح.
وليست أسماء الشخصيات سوى الحروف الاولى من الأسماء الحقيقية للممثلين منى بالحاج زكري ومعين المومني وطلال أيوب، شخصيات تداخلت مع شخوص الممثلين حتّى بات من الصعب التمييز بين الحقيقي والمتخيّل.
وفي سردهم لحكايا استمدّوها من الواقع يعرّي الممثلون كفاح المسرحيين اليوم لمقاومة الرياح العاتية التي تهب على الجسد المسرحي فتزعزع توازنه ويعرّي سخافة بعض المحسوبين عليه.