سيكافينيريا.. للحب والفرح ملامح

يسرى الشيخاوي-
 
أجمل اللقاءات تلك التي تسطرها يد الصدفة، واجمل الزيارات تلك التي تأتي دون سابق تخطيط، كأن تحوّل وجهتك من مدينة عڨارب إلى الكاف أو " سيكافينريا"، ترافقك زخات المطر على امتداد الرحلة من العاصمة تونس إلى المدينة الواقعة في الشمال الغربي، تغازل بلور سيارة الأجرة وتتوشح بين الفينة و الأخرى بفيض من الرياح.
 
تبلغ المدينة وقد أسدل الليل ستاره على ملامحها، فبدت خجولة كقروية التقت عينيها بعيني حبيبها، يعانق النسيم البارد وجهك وتسري في جسدك قشعريرة لا تلبث أن تتحول إلى دفء تبعثه فيك طيبة سكان الأهالي ولباقتهم.
 
رحلتك مع الفرح تنطلق من محطة سيارات الأجرة في اتجاه نزل "سيكافينيريا"، ذلك النزل الذي يقع في قلب المدينة ويؤوي أسرار زائريها، هو نزل قديم خط الزمن آثاره على أبوابه ونوافذه، لكنه على بساطته حافل بلوحات تحكي بعضا من تاريخ المدينة.
 
ربّما هو الانتماء إلى هذه الارض، وربما هو الحنين إلى سنوات الصبا التي قضيتها بين الجريصة والقلعة الخصبة، وهما امتداد للكاف التي أطلق عليها سابقا اسم " سيكافينيريا " نسبة لآلهة الحب فينوس ، فإن هذه المدينة تحب فيا واحيا فيها، هي لا تشبه غيرها من المدن، لضمير المتكلم فيها رنة خاصة وللنقطة الثالثة على حرف القاف نكهة لا يعرفها إلا أبنائها.
 
ولأن نفحات فينوس تسكن في كل الزوايا والتفاصيل، فإنك ترى الحب كامنا في ابتسامات المارة وتحاياهم ونظرات أعينهم، حتى برد الكاف فاتن تبتهج له الأشجار، وتحني غصونها لتعانق قطرات المطر الشفافة.
 
وتفاصيل زيارة مدينة الكاف لا تمر من ثقوب الذاكرة، في المدينة العصية على النسيان  تصافح الغيوم والمطر وتعانق اوراق الأشجار التي تزين الأرصفة، وتنعم بالأغاني المنبعثة من المحلات والمقاهي، وتؤنسك أصوات الباعة في "سوق الأحد"، باعة لا تنقطع الابتسامة من وجوههم وكأن الله بعثهم على تلك الهيئة.
 
ولا يمكن ان تزور الكاف دون ان تصعد إلى القصبة، ذلك المعلم التاريخي الشامخ المطل على المدينة، تعبر المدينة العتيقة عبر أزقة ومدارج لا احد يمكن ان يتكهن عدد المارين عليها، ليطالعك باب الحصن المنيع الذي يروي صمودها.
 
تحدثك حجارة القصبة واعمدتها عن الغزوات والحروب وسنين الاستعمار وتتفتق ذاكرتك عن سيناريوهات محتملة لتاريخ دموي، لتستفيق على همسات العشاق على بعد خطوات من المدافع التي مازالت في حالة تأخر لصد أي عدوان.
 
ولأنه لا بد لكل بداية من نهاية، فإن الظهيرة كانت موعد مغادرة المدينة التي تصدر الحب والفرح، فتمضي نحو محطة سيارات الأجرة مشحونا بطاقة إيجابية تجعلك قادرا على تجاهل رتابة العاصمة وحيطانها الباردة.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.