سوريا التي عرفتها..و الجهاد الذي لا يتحدث عنه أحد

زرت سوريا في مطلع التسعينات ، و تحديدا العاصمة دمشق .و أعترف بأنني حرت قبل التفكير في كتابة هذا المقال بأي شيء أبدأ بسبب كثرة الاشياء الجميلة التي حملتها عن سوريا و تستحق الذكر.و رغم انني لم أبق هناك أكثر من أسبوع فانني همت عشقا بالشعب السوري ..

سألت أحد المواطنين عن كيفية استعمال الحافلة العمومية – اقتطاع التذاكر يكون في المحطة أم في الحافلة ؟ – فأجابني بابتسامة حلوة قبل أن يسرع الى شباك تذاكر لم أكن قد انتبهت الى وجوده قبل ذلك و أتاني بمجموعة من التذاكر.و أقسم ألا يأخذ ثمنها رغم انه لا تظهر عليه اية مظاهر يسر .

امتطيت سيارة أجرة فتوقف السائق مرتين للتحادث مع مواطنين قبل ان يتوقف مرة ثالثة و يحمل شخصا دون استشارتي.و بعد نزول المواطن و استئناف السير سألته كيف يسمح لنفسه بحمل حريف دون استشارتي فقال لي بلطف ما معناه ان سيارة الاجرة خدمة عامة ، و ان من واجبه المساهمة في حل مشكلة تنقل المواطنين حين لا يضر ذلك بمصلحة الحريف الاصلي . و ذكرني كيف انه لم يحمل معه المواطنين اللذين تبين له ان إيصالهما الى حيث يريدان كان سيعطل مصلحتي .

و دخلت مكتبة عرف صاحبها انني معلم تونسي أبحث عن مراجع لتأليف كتاب في قواعد اللغة فأغلق مكتبته و تفرغ لي حوالي ساعة . و كنت كلما أثير معه مسألة ينهض من مكانه و يحمل لي كتابا حولها. و حين هممت بالدفع أقسم ألا يأخذ مليما واحدا مبررا ذلك بقوله مازحا انه يعتبر ذلك ثمنا للخطإ الذي أصلحته لديه وهو أنه لم يكن يتخيل ان معلم الابتدائي في تونس يمكن ان يكون بالمستوى الذي وجدني عليه .

أما ما لن أنساه أبدا فهو انني حين هممت بعبور ساحة يلعب فيها الاطفال بالكرة ، وضع أحدهم رجله على الكرة و توقف البقية في أماكنهم الى أن خرجت من الساحة . و عندها تذكرت كيف كان تلاميذ المدرسة التي أعمل بها يتعمدون إصابتي بالكرة كلما مررت بهم يلعبون فبدأت أضحك كالمعتوه وحدي !

أما التاجر السوري فهو يستقبلك بابتسامة ليس أحلى منها إلا ابتسامته وهو يودعك بـ"الله معك"حتى و أنت لم تشتر منه شيئا..

اما الكلام البذيء فإنني "افتقدته" طيلة أسبوعي الدمشقي و لم ألتق به إلا حيث تركته : مطار تونس-قرطاج الدولي !

لكل ذلك ، و لكل ما لا يسمح المجال للحديث عنه و أبهرني في دمشق ، فإن قلبي دم على سوريا  لما يحدث فيها اليوم .

صحيح انني كنت شاهد عيان على شعب عظيم يكتم على أنفاسه نظام بوليسي رهيب .و صحيح أن الثورة على ذلك النظام كانت أمرا حتميا .و لكن هل البديل هو مثلا هذا الذي تقترفه داعش من جرائم ؟ 

الجهاد الذي لا يتحدث عنه أحد و أدعو إليه بكل إلحاح كل أحرار العالم هو الجهاد الى جانب الجيش النظامي السوري لقطع الطريق أمام من هم أكثر تخلفا و همجية من داحس و الغبراء . ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن التخلص من دكتاتورية السلطة الحاكمة .

لقد ذهبت الى سوريا ناقما على نظام بنعلي ..و عدت الى تونس بعد أسبوع واحد مشفقا على الشعب السوري من آل الأسد و معتبرا اننا في تونس نعيش في جنة مقارنة بما لاحظته في البلد الشقيق ..وبالمقارنة دائما ، فإن الشعب السوري لا يمكن الا ان يعتبر نفسه يعيش في جنة من الحرية و الديمقراطية مع بشار الأسد مقارنة بما "يبشر"ه به وحوش داعش..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.