قد لا أجانب الصواب إذا قلت انّ الوضع العام بالبلاد لم يعد يحتمل مزيدا من التمطيط لتشكيل الحكومة،في ظل المخاطر المحدقة و تزايد التهديدات الإرهابية،و تفاقم الأزمة الإقتصادية واستفحال معظلة البطالة..
واليوم.. لا تزال بعض الغيوم ترخي بظلالها القاتمة على الخارطة السياسية، حيث لم تتضح بعد ملامح التركيبة الحكومية الجديدة للرأي العام المحلي والدولي،في ظل غموض متواصل وتسريبات كثيرة تأتي من هنا وهناك. ومشاورات ماراطونية بين مختلف مكونات الرقعة السياسية، بعد الرفض الواسع الذي لاقته -التوليفة الحكومية- التي-جادت بها "قريحة"رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد- من قبل عدد من الأحزاب،بعد أن اعتبرتها (التوليفة الحكومية) خليطا هجينا ليس بوسعه مجابهة الصعاب التي تمر بها البلاد في ظل تفاقم الأزمات الإقتصادية،الأمنية والإجتماعية..إلخ
على الرغم من ذلك، لا تخلو الحكومة الجديدة، أو ما أسميناها بالتوليفة الحكومية، من نقاط ايجابية، وأهمها أنها جاءت غير موسّعة، وضمّت 24 وزيراً و15 كاتب دولة. وهو مطلب دعت إليه جهات عديدة،من أجل التخفيف من أعباء الميزانية من جهة، وتفعيل الدور الحكومي من جهة أخرى. كما تميزت بكونها أكثر حكومة تُشرك نساء (تسع نساء) منذ الاستقلال..
مع ذلك،لم تنل هذه التركيبة رضا جزء أساسي من مكونات المشهد الحزبي والسياسي داخل البرلمان وخارجه. وتجلّت المفاجأة الأولى في إعلان القطيعة في آخر لحظة، مع حزب آفاق تونس، الذي تمّ الاتفاق معه على تولّي حقيبتين وزاريتين إلى جانب كتابة للدولة، لكنه سرعان ما غيّر الحزب من موقفه، عندما تم تفضيل حزب الاتحاد الوطني الحر بزعامة رجل الأعمال سليم الرياحي، عليه.
أُرضي الاتحاد الوطني الحر في اللحظات الأخيرة بثلاث وزارات، وهو ما اعتبرته قيادة آفاق تونس مسّاً بمصداقيتها، وتقليلاً من حجمها، وقررت على ضوئه البقاء خارج الحكومة.
أما حركة النهضة فقد وجدت نفسها خارج الحكومة-أصلا- الأمر الذي أصاب قيادتها وأنصارها بخيبة موجعة، باعتبارها قدّمت تنازلات سخية لصالح حزب نداء تونس ورئيسه، وتلقت مقابل ذلك تطمينات، لكن كل آمالها ذهبت زبدا وطواحين ريح.
وتردد أوساط الحركة أن "اليسار بمختلف مكوناته قد نجح في الضغط حتى تم إبعاد النهضة عن الحكومة، كما تعتقد هذه الأوساط بأن وجوها يسارية عديدة توجد ضمن تركيبة الحكومة، وهو ما من شأنه أن يثير مخاوف الاسلاميين الذين تربطهم باليسار علاقات عدائية منذ نشأتهم الأولى داخل الجامعة في مطلع الثمانينات".
في السياق ذاته، تردد بعض المصادر أنّ "سي الباجي"يتحرّك تحت ضغوطات مختلفة، أولها حزبي داخلي، وثانيها سياسي محلي، وثالثها دولي"، كما تعتقد هذه الأوساط أن "صراع الجناح الدستوري والجناح اليساري داخل النداء، أصبح مكشوفاً لدى الجميع، وأنّ الحكومة هي أولى محطاته، في انتظار مؤتمره المقبل بعد خمسة أشهر"، والمتوقع في المؤتمر أن يحسم أحد الأجنحة مستقبل الحزب في ظل رئاسة السبسي لتونس، مما سيُساهم في رسم الملامح العامة للسياسة التونسية..
وحسب آخر الأنباء فإن يوم الإثنين القادم (02 فيفري 2015) سيكون موعدا لإعلان الحكومة الجديدة التي مرّت، كما أشرنا، بمخاض عسير أشّر إلى وجود أزمة سياسية طاحنة، بين مختلف مكونات المشهد السياسي التونسي، على غرار النهضة والنداء، وصراع مناصب بين القصبة وقرطاج، دون اسقاط "مونبليزير" من المشهد المتوتّر حيث يحتدم الخلاف بين قيادات حركة النهضة، ولئن كان باطنيا..
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: كيف السبيل للخروج من هذا "المستنقع" ومن ثم تكسير الجمود الذي ضرب الحكومة المرتقبة قبل أن ترى النور أصلا.. علما وأنّ أي فشل محتمل، لا قدّر الله، في تشكيل الحكومة بعد ثلاثة أشهر من الإنتخابات، سيكون، في تقديرنا، كمن يجرّ النّار إلى قرصه..
فهل ستعبر السفينة التونسية بطاقمها الحكومي عباب الأزرق المتماوج بمهارة، ومن ثم ترسي على شاطئ الآمان..؟
نرجو ذلك..