رئيس الجمهورية و”الراقصة”

يسرى الشيخاوي-
"- مقدرش أعملّك حاجة .. مقدرش أتوسّط لرقّاصة.
— إيه الحكاية رقّاصة … رقّاصة ! ما إحنا الإتنين زيّ بعض يا عبد الحميد.
– إنتِ قليلة الأدب.
— وإنت كذّاب ..عشان بتكذب على نفسك قبل ما تكذب على النّاس .. كلّ واحد فينا بيرقص بطريقتو .. أنا بهـزّ وسطي وإنت بـتلعِّبْ لسانك وتخطب. 
– الفرق شاسع يا عالمـة يا ..
— أنا اقولك الفـرق .. إحنا الإثنين بنطلع فى التّليفزيون… أنا النّـاس بتتفرّج عليّ، وإنـت أوّل ما بتطلع النّـاس بتقفـل التّليفزيون ..عشان إنت رقصك ملوش جمهور .. إنّما أنا رقصي ليه جمهور .. عارف ليه ؟
– لأن بضاعتك رخيصة .. هدفك تشعللي الغرايز المكبوتة عند النّـاس .. إنتِ شغلك الإثارة.
– إسم الله على مقامك الرّفيع .. وإنت شغلك يبقى إيه لمّـا توعد الناس بمستقبل مشرق ، ويجي بُكـرة ميطلعلوش شمس ؟! "
الحديث أعلاه حوار ثنائي بين السياسي "عبد الحميد رأفت" (صلاح قابيل) والراقصة "صونيا سليم" (نبيلة عبيد) في فيلم "الراقصة والسياسي" من تأليف إحسان عبد القدوس، حوار تستحضره وأنت تجوب صفحة الاستقبال في الفايسبوك فتطالعك تدوينات عن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد ورقصة نرمين صفر.
وإن كانت صفة رئيس الجمهورية  المسندة لقيس سعيد أمرا واقعا ومحتوما فإن صفة الراقصة المسندة لنرمين صفر تسكن بين هلالين مزدوجين لأن فن الرقص كما النبوّة لا يؤتى من هبّ ودبّ، ولكنّ الأكيد أن كليهما رقص رقصته التي اصطفاها.
"احنا الاثنين بنطلع التلفزيون"، هكذا خاطبت الراقصة السياسية في فيلم رأى النور سنة تسعون وتسعمائة وألف، لتطالع "الراقصة" و"السياسي" جمهورهما من بث مباشر على صفحات التواصل الاجتماعي بعد ثلاثة عقود.
وصفة السياسي المسندة لقيس سعيد تسكن أيضا بين هلالين مزدوجين لأنه لا يفقه لغة السياسيين، ولكنّه يفقه ملأ الفراغات في خطاباته بمركبات نحويّة خاوية على عروشها، وكلمات يستمدّها من عربيّة قحّة لا يفهمها القوم الذي يخاطبهم في غالب الأحيان.
"أنا الناس بتتفرّج عليّ، وإنـت أوّل ما بتطلع النّـاس بتقفـل التّليفزيون ..عشان إنت رقصك ملوش جمهور .. إنّما أنا رقصي ليه جمهور"، ويمن لا يفهم اللهجة المصرية فالراقصة هنا تقول للسياسي إنّ رقصها له جمهور يتابعه ولكن رقصه بلا جمهور، وكأن بها تحكي على لسان "الراقصة" التي جذبت لمتابعتها حوالي الثلاثين ألف شخص فيما لم يبلغ عدد متابعي خطاب " الريّس" الخمسة عشر ألف متابع.
 إسقاط فني على الواقع يحيل إلى أن جمهور "هز الخصر" أكثر من جمهور " هز اللسان"، ولمّا أهل "السياسة" يرمون أهل " الرقص" بإلهاب الغرائز وإثارة الشهوات يردّون بأن الوعود الكاذبة والأمال الزائفة ضرب من "الفانتازم".
وفيما جاء خطاب رئيس الجمهورية متأخرا مرتبكا، أوفت "الراقصة" بما وعدت وأطلّت على جمهورها بعد خطاب الرئيس وهزّت خصرها ولعلّها أمتعت، ولكن حينما هزّ الرئيس لسانه لم يمتع ولم يخفف من حدّة الوضع المشحون بل على العكس بات حجم الهوة بين الرئاسات الثلاثة واضحا في الوقت الذي يستوجب توحيد كل الجهود.
ولئن كان الغموض والارتباك يوشّحان "بيان" رئيس الجمهورية منذ الإعلان عن أن الإطلالة ستكون "بعد قليل" دون تحديد التوقيت، حتّى أن المرء يحير في التوقيت الذي تُحتسب به هذه الـ"بعد قليل" التي أزعجت المنتظرين، لعلّها توقيت بزمن الكورونا.
بعيدا عن شكل ظهور الرئيس بما يشمله من كادر تصوير وإضاءة وحركات جسدية والذي لا يخلو من هنات، هي المرة الأولى التي يستنجد فيها قيس سعيد بورقة يقرأ منها خطابه بصوت يغشاه الإضطراب ليعلن عن قرارات بدت للبعض فضفاضة، قرارات استقبلها المتابعون بحكم مسبق عنوانه "الصرامة" لينهدم ما شيدوه من أمل ويقوم جدل "رجل الدولة" من جديد.
حظر تجوّل من السادسة مساء إلى السادسة صباحا، جدولة الديون، وتبرّعه بنصف راتبه، قرارات لا توائم المرحلة الراهنة في نظر السواد الاعظم ممن عبروا عن خيبة املهم من خطاب الرئيس، إذ كان المرجو منع خروج المواطنين إلا للضرورة القصوى.
ثم ما معنى حظر تجوّل ليلي، هل تعيش البلاد خطرا أمنيا، هل تواجه الدولة انقلابا أو حركات احتجاجية أو مظاهرات ليلية أو تحرّكات من شأنها أن تخلّ بالأمن العام، ألم يع رئيس الجمهورية بعد أن البلاد تواجه فيروسا "فتّاكا" تتكاثر عدواه في تجمعات النقل العمومي، ألم يع أن الشعب ينتظر قرارات جريئة تنتشل المواطنين من دوامة استهتار أغرق فيها آخرون، قد تكون هذه القرارات موجعة للدولة ولكن ما قيمة الدولة دون شعب؟.
أما آن لحكّام تونس ان يعوا ان الفيروس شأنه شأن فيروسات السياسة التي ضربت تونس في مقتل ومازالت يخرج ليلا ونهارا ويحضنه بعض المستهترين واللامبالين، آما آن لهم أن يفرضوا إجراءات صارمة في النهار ويحفظوا ما تبقّى من الدولة؟
"ابقوا في بيوتكم وسأرقص لكم كل ليلة" ها إن "الراقصة" تنجز ما وعدت، فمتى يتحرك "حكّام تونس" ويعلنون قرارات تخفّف من جزع شعب قدره أن يخيّبوا ظنّه في كل مرة، ليتهم يتحرّكون ولو "بعد قليل".
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.