دوار هيشر: التنافس على المقعد البرلماني شبه منعدم والتزكيات عقبة أمام النساء للترشح

رانية رزيق-

نزار زديني، ناشط سياسي ، يقطن بمنطقة دوّار هيشر، لأول مرّة يقرّر عدم خوض تجربة الترشح في الانتخابات بعد الثورة. هو الذي ترشح في الانتخابات التشريعيّة لسنة 2014 ورغم عدم فوزه أصر على إعادة التجربة في الانتخابات التشريعيّة لسنة 2019 ولكنّه لم يقدر أن يتحصّل على مقعد بالبرلمان.

فكّر في البداية في الترشّح عن الدائرة الانتخابية بدوار هيشر في الانتخابات التشريعية المقبلة  وبدأ في جمع التزكيات ولكنه سرعان ما  غيّر قراره. يحدّثنا نزار بنظرة يأس عن سبب عدم مشاركته هذه المرّة والتي تعود حسب قوله إلى ضبابيّة المشهد السياسي في تونس وعدم وجود رؤية واضحة للمستقبل. كما أنه يرى أن البرنامج الذي ينوي العمل عليه لا يمكنه أن يتحققّ بوجود صلاحيات مقيّدة للنائب في البرلمان القادم حسب قوله.
ولكن في المقابل، ينوي نزار عدم التخلّي عن ممارسة حقّه في الانتخاب والتصويت يوم 17 ديسمبر القادم. وهو ينتظر كذلك موعد انتخابات المجلس الجهوي للأقاليم والانتخابات البلديّة علّه يترشّح.

 صورة لوثيقة تزكية نزار زديني

الاقتراع على الأفراد :  إعدام للأحزاب

تعيش تونس في هذه الفترة على وقع حدث سياسي مهم وهو الاستعداد للإنتخابات التشريعيّة في 17 ديسمبر القادم بعد  حلّ البرلمان في 25 جويلية 2021 من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد. ويتساءل الكثير عن مدى رغبة المواطنين في انتخاب مجلس جديد ومنح ثقة لنواب جدد بعد ما عاشه البرلمان القديم   الذي تم حلها في 25 جويلية 2021 من صراعات.

تختلف الانتخابات التشريعية في السابع عشر من ديسمبر القادم عن الانتخابات التشريعية السابقة والتي تمت في 6 أكتوبر 2019. فقد تم القانون الانتخابي بالمرسوم عدد 55 في 15 سبتمبر الماضي. 
عدّل القانون الانتخابي الجديد نظام التصويت ليتغيّر من الاقتراع على القائمات إلى الاقتراع على الأفراد بالأغلبيّة المطلقة أي أنه خلافا للانتخابات التشريعيّة السابقة والتي يترشح فيها الأحزاب عبر قائمات سيتم في هذه المرّة التصويت على الأفراد.
صحيح أن النظم الانتخابية هي خيارات ذات أهمية قصوى في الحياة السياسية وخاصة في الديمقراطيات الناشئة ولكن هذا التعديل سيؤثر مستقبلا على وزن الفاعلين السياسيين لأنه يضعف وينسف المنظومة الحزبيّة.
وتنتهج فرنسا على سبيل المثال نظام الاقتراع على الأفراد ويتم التصويت في كل دائرة انتخابية على حدا لتمثل كل دائرة مقعدا في البرلمان. وقد أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن إمكانية تغيير هذا النظام ليصبح الاقتراع على القائمات مع اختيار مبدأ النسبيّة.

نظام الاقتراع على الأفراد في تونس في القانون الانتخابي الجديد

“فيديو تعريفي"

متساكني دوار هيشر : ثنائية المشاركة والنفور

أسهمت الأحداث السياسية  والمشاكل الإجتماعيّة والمؤشرات الاقتصاديّة في نفور المواطن من المشاركة في الشأن العام. فقد بلغت نسبة البطالة في الثلاثي الثاني من هذا العام 15 بالمائة حسب معهد تونس للإحصاء أما بالنسبة لإرتفاع الأسعار أو ما يعرف بالتضخّم فقد بلغت نسبته في سبتمبر الماضي 9.1 بالمائة حسب نفس المصدر. وهذه الأسباب هي التي دفعت المواطن إلى عدم الإهتمام بمستجدات الأوضاع والتركيز مع المشاكل الحياتيّة.
 والآن يمكننا أن نتساءل عن مدى علم متساكني دوّار هيشر بوجود استحقاق إنتخابيّ قادم وعن مدى رغبتهم في خوض تجربة الترشح وتجربة التصويت في ظل هذه المؤشرات.

"رصد أراء المواطنين"

المشاركة في الشأن العام بدافع النضال

في القانون الانتخابي 2014، كانت هناك إلزاميّة لمشاركة الشباب في قائمات الانتخابات البلديّة وهو ما دفعهم ليكونوا في القيادة وفي مناصب صنع القرار إلا أنه مع التنقيح الجديد لم يتم إدراج أساليب لتشريك الشباب في التمثيل السياسي. 

وقد أثبتت دراسة أجرتها شبكة مراقبون سنة 2018، أن 47 بالمئة من الشباب التونسي غير مهتمين مطلقاً بالحياة السياسية والشؤون المحلية، إثر الانتخابات البلدية في ماي 2018.

وعلى عكس الآراء التي ترى أن المشاركة في البرلمان هي مشاركة غير مجدية بسبب عدم وجود خطة استراتجيّة واضحة للعمل البرلماني مستقبلا، يقول علي بوزوزية وهو من بين المواطنين الأوائل الذين قدّموا ترشحهم بالدائرة الإنتخابية دوار هيشر أن المشاركة أهم من النتيجة بالنسبة له.

ويضيف أن البرلمان سيتم تشكيله بوجوده أو عدمه لذلك يفضّل أن يشارك عوضا عن أن يراقب من بعيد.

فقدان الثقة ولامبالاة بالسياسة

صورة  من إحدى أحياء دوار هيشر

محبوبة ، كما اخترنا تسميتها، رفضت أن تتحدّث أمام عدسات الكاميرا، هي مسنة تجاوزت السبعين عاما، تقطن بمنطقة دوار هيشر منذ أكثر من أربعين عاما، تحاول جاهدا أن تقف بظهر مستقيم ولكنها لا تستطيع، يظهر شعرها الذي اشتعل بالشيب من خلف محرمتها الزهريّة، تتفرق أسنانها في فمها، تحدّثنا محبوبة وهي تمسح غبار دخل عينها "عندي سنين نايا نخب ومتبدل شي، سنين ونايا ناخو في شيخوخة ونلم في الدبابيز".

لا تعلم محبوبة عن اقتراب موعد انتخابي جديد، بل حتى وبعد علمها لا تكترث بالمرّة بهذا الاستحقاق وتضيف " كرهنا السياسة معاد يهمني في شي كان    نلڨت في  خبيزة ".
تعاني هذه المسنة تداعيات عدم إيفاء السياسيين ومن يحتلّون مراكز مسؤوليّة بالدولة بوعودهم الانتخابيّة.

يحدّثنا المختص في علم الاجتماع محمد جويلي عن أسباب عدم علم بعض المواطنين بالانتخابات التشريعيّة القادمة، وهو أن الانتخابات في السابق كانت تخلقها دينامكيّة الأحزاب والتنافس فيما بينها وهو ما يسهل إيصال المعلومة للمواطن، و الآن مع إقصاء الأحزاب بطريقة مباشرة من العمليّة الانتخابيّة ومع غيابها في الساحة السياسيّة أصبح عدم علم بعض المواطنين هو أمر طبيعي.

ويعتبر عدم التصويت في الانتخابات هو موقف سياسي يعبرّ عن عدم ثقة الناخب في الطبقة السياسية المترشحة أحزابا كانت أم أفرادا.
ويشير جويلي أن  نفور البعض من  السياسة يعود إلى  أن هذه الفئة تعتبر أن ما  يحصل اليوم من نقص في المواد الأولية والغذائية وغلاء في المعيشة سببه الرئيسي هو السياسة.

بدعة التزكيات تعرقل مشاركة المرأة
قابلنا هاجر الضريفي، وهي مواطنة ترشحّت لتمثيل منطقة دوار هيشر ، ولكن بعد إيداعها ملف ترشحها بالهيئة الفرعيّة للانتخابات بمنوبة تم إعلامها برفض مطلب ترشّحها لعدم تمكنها من جمع العدد المطلوب من التزكيات.
ترشّحت هاجر في الانتخابات البلديّة لسنة 2018 وها هي تعيد الكرّة الآن في الانتخابات التشريعيّة. أخبرتنا أنها تعرضّت للتضييق من البعض بعد أن أعلنت نيّة ترشّحها بتعلّة عدم تمرسها في الشأن العام حسب قولها.
كما حدّثتنا بحسرة عن عدم وجود منافسة من فئة النساء في دوار هيشر وعن الترشحّ الضعيف للمرأة بصفة عامة في جميع الدوائر الانتخابية والذي يعود إلى إلغاء مبدأ التناصف في القانون الانتخابي الحالي. وتضيف هاجر أن صعوبة جمع التزكيات مؤرقة بالنسبة للنساء أكثر من الرجال.

 


تمثيليّة مزعومة

 سوار العكرمي، هي من بين متساكني دوار هيشر، ناشطة في المجتمع المدني منذ أكثرمن أربع سنوات وتحضر جل الأنشطة التي تقام بالمنطقة. تحدّثت في حوارنا معها عن أهميّة المشاركة في الانتخابات ولكنها في المقابل ترى أن التصويت  يجب أن يكون على الشخص الذي سيمثل بجدارة منطقة دوار هيشر.
وفي حديثها عن مدى عزمها التصويت في الانتخابات التشريعيّة القادمة، تقول أنها حاليا لا ترى أي شخص قدّم ترشحّه يمكن أن يمثّل الجهة لأنهم حسب قولها لم ينشطوا على أرض الواقع في الأيام العادية.

 

وتبقى المشكلة الكبرى للسياسيين وأصحاب القرار هو عدم تخصيصهم في برامجهم الانتخابيّة لأفكار تأخذ بعين الإعتبار جميع الفئات العمريّة والنوع الإجتماعي وهو ما يخلق فجوة بينهم. 
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد استراتجيّة للتنشئة السياسية منذ الصغر تدفع جيلا كاملا للمشاركة  والقيادة  ودليل ذلك هو عدم إحداث تغيير في مناهج التعليم منذ 2002 والذي يساعد في نقل المعرفة الديمقراطيّة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.