ككلّ عام منذ 1435 سنة…نترقّب هلالا من قمر مشى عليه غيرنا… وما ان يحلّ الشهر بيننا حتى نتدافع ونتكالب على الفضاءات الكبرى والصغرى والأسواق العامّة نقتني ما نحتاجه وما لا نحتاجه وما تشتهيه أعيننا وتقصرعن الوصول اليه أيادي الفقراء والمعذّبين في الأرض من حولنا…
وككلّ عام منذ 1435 سنة ، يظهر القمر الوليد أوّل الشهر فنأكل ويبين آخره فنأكل أيضا!
"رمضاناتنا" العربية تختزل في 30 يوما أو دونه بيوم من الأكل والشرب والسهر حتى ساعات الفجر الأولى على شاشة التلفاز والكمبيوتر…أعيننا تلتهم المسلسلات والبرامج الكوميدية (التي يبكي أغلبها بدل أن يضحك)، وأفواهنا تلتهم ما لذّ وطاب من مأكولات تقضّي النساء والفتيات غالب اليوم في اعدادها…وهذه لعمري، قضية أخرى…
هل نصوم عن النميمة؟ هل تنقطع ألستنا عن الخوض في أعراض الناس وخصوصياتهم؟ هل نكفّ عن الرشوة والارتشاء في ساعات الصيام الساخنة؟ هل نعكف على التعبّد والتلهّج بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، أم نظلّ مرابطين في معبد الفايسبوك وتويتر نصلّي في حضرة اله من كلام وصور؟
هل نذكر أطفال الشوارع في رمضان؟ فاقدي السند والنساء المعنّفات المقموعات في الشهر الفضيل؟ أم أنّ روائح "البريكة المقلية" تدخلنا ككلّ عام في حالة من غياب الوعي بالعالم والآخر وبالانسان؟
هل نتحدّث الى الله في رمضان أكثر ممّا نتحدّث عنه؟ هل ندعوه الى السكن فينا بدل دعوته الى السكن في بيوت الآخرين؟؟
هل سنفتح للمحبة الالهية طريقا في قلوبنا، يسلكه الضالّون عن سبيل الحق والوطن والحب؟ أم أنّنا سنفطر رمضان هذا العام أيضا على وقع الرصاص يمزّق أجساد الرجال والنساء ويغتال نور الشمس؟
ان لم يكن لنا من صيامنا الاّ الجوع والعطش، فأولى أن نترك اغراء صوم دينه الرغبة ومذهبه اللّهفة.. وأن نكون في افطارنا أقرب الى روح الاسلام وسماحة تعاليمه…
فالربّ لن يكلّف ملائكته بالوقوف حرّاسا عند أبواب مطابخنا وغرف أكلنا… لكن الملائكة ستبلّغه حتما سخريتها منّا أوقات الافطار…أوليست هي من عارض منذ بدء الزمان خلق الانسان؟