خبير في التجارة الدولية يتحدث عن الدعم المعلن والدعم المسكوت عنه

  بقلم: نادر الرزقي (متفقد مركزي للادارة الاقتصادية بوزارة التجارة) –

يشير مشروع ميزانية الدولة لسنة 2020 الى أن تقديرات الدعم لسنة 2020 ستكون في حدود 4180 مليار دينار موزعة بين 1800 مليار دعم للمواد الأساسية و1880 مليار للمحروقات والكهرباء إضافة الى 500 مليار موجهة لقطاع النقل العمومي.

بهذا المعنى فإن الدعم يمثل 9 بالمائة من الميزانية العامة للدولة و2.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لتونس علما أن هذه النسبة تعد نسبة معقولة مقارنة بالمعدل العام لنسب الدعم المسجل في الدول العربية الذي يتراوح بين 5 و6 بالمائة مقابل نسبة لا تتعدى 1.3 بالمائة في البلدان النامية.

وقبل كل شيء يتعين الإشارة الى أن كل بلدان العالم تطبق سياسة دعم الفئات الاجتماعية الهشة والضعيفة بمستويات متفاوتة وبأنظمة دعم مختلفة. فعلى سبيل المثال ينتفع أكثر من 40 مليون مواطن أمريكي بما يسمى ببرنامج المساعدات الغذائية التكميلية الذي يستوعب 0.13 بالمائة من الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية وذلك بعد انجاز مجموعة من الاختبارات تتعلق بالدخل وحجم الأسرة.

كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن الدعم عموما يتخذ أشكالا متعددة يمكن تلخيصها في ما يلي:

-دعم مباشر يتمثل في مبالغ نقدية يتم اسنادها لتغطية الفارق بين الكلفة وثمن المنتوج بالنسبة للمواد الأساسية في شكل موارد يتم ضخها من ميزانية الدولة.

-دعم غير مباشر يتمثل في الإعفاءات الضريبية أو إيقاف العمل بالمعاليم الديوانية أو حتى التكفل بجزء من المساهمات الاجتماعية للمؤسسات باعتبار أنها موارد إضافية محتملة لميزانية الدولة تم التخلي عنها لأسباب متعددة وبعناوين مثل التحفيز على الاستثمار وغيرها.

ما يلاحظ، أن النقاش العام في تونس ينحصر حاليا في الدعوة الى مراجعة دعم المواد الأساسية وترشيده كحل لخفض عجز الميزانية وكتوصية من توصيات صندوق النقد الدولي دون التطرق الى معالجة مسألة الدعم غير المباشر وبعض أنظمة الدعم المباشر التي تخرج عن هذا الإطار.

واقعيا، لا توجد أرقام حقيقية عن مبالغ أو قيمة الدعم الذي تسنده الدولة للقطاع الخاص في ما عدا المائة مليون دينار المسندة في اطار دعم الصادرات. كما لا يوجد تقييم لجدوى هذا الدعم وتوجيهه للغايات المرجوة منه ولا دراسات على انعكاساته على دفع التنمية والتشغيل وتحسين مؤشرات الاقتصاد عموما.

كما لا توجد هياكل مراقبة ومتابعة لفعالية اسناد هذه النوعية من الدعم وانعكاساته على ميزانية الدولة وخاصة على مستوى العجز المسجل فيها رغم أن تجربة تطبيق برنامج التأهيل الشامل بعد اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي المبرم سنة 1994 أثبتت في عديد الحالات أن الدعم الذي قدمته الدولة لعدد من المؤسسات لم يتم توجيهه لتطوير تنافسية هذه المؤسسات بل لغايات بعيدة كل البعد عن هذا المنحى.

مؤخرا، صرح مثلا السيد محافظ البنك المركزي أن 46 بالمائة فقط من مداخيل السياحة من العملة الصعبة تعود لتونس وذلك رغم الإجراءات التي تتخذها الدولة من فترة الى أخرى كإعفاءات من خطايا تأخير سداد الديون لفائدة المؤسسات السياحية أو التكفل بنسب من ديونها المتخلدة لفائدة الصناديق الاجتماعية و"الستاغ" على سبيل المثال إضافة الى تحمل صندوق الدعم لتبعات انتفاع استهلاك أكثر من 5 مليون سائح سنويا للمواد الأساسية المدعّمة.

وعليه، يجب التخلي عن الطرح التقليدي لمنظومة الدعم والمرتكز على دعم المواد الأساسية دون غيرها وتوسيع قاعدة هذا الطرح ليشمل الصيغ الأخرى من الدعم المسكوت عنها وبسط كل المعطيات والأرقام حوله وتقييمه ووضع خطة مراجعة شاملة لكل أنظمة الدعم وعدم الاكتفاء بالصيغة الانتقائية الحالية.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.