حينما تسافر”جاز أويل” بين الإيقاعات المختلفة تكون “تونس لمة وجنون وحكاية ومراية”

-يسـرى الشيخاوي
 

الموسيقى ليست إيقاعات مجرّدة، إنّما هي متنفّس يعبّر عن الإنسان ويعبّر به الإنسان عن نفسه، يزهد بها عن قتامة الواقع ويفتح بها أبواب الخيال، هي تختزل تجارب عيش في ألحان أعمق من المعاني، تترجم الضيق وتسبطن الصرخات المنادية بالانعتاق والتحرّر.

 

وموسيقى الجاز ليست إلا هذا الإرث الإنساني، مزيج من الألحان الجذّابة وفلسفة تعلي راية الحرّية، شدّت إليها عازف الباص غيتار التونسي سليم عبيدة، فكانت فكرة ميلاد مجموعة "جاز أويل" سنة 2008.

 

ومنذ نشأتها كانت المجموعة متفرّدة بمشروعها الموسيقي الذي أسّسه سليم عبيدة بمعيّة عازف القانون نضال جوّة، مشروع  وحدّ إيقاعات مختلفة وطعّم موسيقى الجاز بنغمات القانون ، فكانت موسيقاها لا شرقية ولا غربية.

 

وفي أيّام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري كان لمحبّي الجاز موعد مع مجموعة "جاز أويل"، همس فيه العازفون في آذان الجمهور وتسلّلت الإيقاعات إلى الأرواح.



سفر بين الموسيقى العربية والغربيّة.

 

على ركح مسرح الجهات بمدينة الثقافة سافرت مجموعة "جاز أويل" بجمهورها بين الموسيقى الغربية والموسيقى العربية، رحلة بين عوالم موسيقية مختلفة لكنّ التناغم بين العازفين وحّدها على قاعدة الإمتاع الموسيقي.

 

سليم عبيدة عازفا على الباص غيتار، ونضال جوة على القانون و"Amir Mahla" على الساكسفون و "Edison Knight" على الكلافيي و " Maamoun Dehane" على الدرامز، وقدرة عالية على التواصل فيما بينهم ومع الجمهور.

 

حوارات ثنائية بين كل عازف وآلته الموسيقية، سرعانما تتحوّل إلى خطاب موسيقي واحد يحاكي الروح بارتجالاته المفاجئة، ارتجالات يتشابك فيها العازفون وآلاتهم وتفاعل الجمهور.

نغمات عربية أحدثتها أوتار الكمان وأخرى غربية أوجدتها بقية الآلات الموسيقية، رحلة بين المقامات العربية والجاز والفانك واللاتينو.

 

رواية الواقع على إيقاع موسيقي متناغم

 

الواقع بكل ما فيه من تمرّد وجنون وتعايش وتواصل وحب وألم وانكسار وإرادة ورغبة، ترجمه العازفون على المسرح، مقطوعات منفردة في زمن ما ومتشابكة في أزمنة أخرى حكت قصص الحياة على إيقاع الموسيقى.

 

سحر الشرق متجليا في آلة القانون، أوتاره العابقة بالشجن تلامس القلوب، وزخم المقامات فيها يراود الذاكرة عن ملاحم الحب.

 

الآهات والزفرات والشهقات والصرخات حضرت في أنغام آلة الساكسفون التي تعدّ من أوائل الآلات المستخدمة في الجاز، أنغام تحكي أن صوت الحرّية لا يخبو.

 

وتلك الصراعات التي خاضها ذوي البشرة السوداء من أجل الانعتاق، تلك المسارات المتواصلة والمنعرجات حضرت في النوتات العالية والمنخفضة، الناعمة والبطيئة التي خلقها الكلافيي.

 

والانفعالات والجنون والتمرّد، اختزلها الدرامز من خلال الإيقاعات التي أحدثها للحفاظ على حركية الموسيقى، وإنشاء تغييرات على مستوى النسق الموسيقي.

 

والمعاني الجمالية تلخّصت في الباص غيتار، العمق والإرادة والعزيمة تسللت من بين النغمات والنوتات التي أحدثها.

 

"تونس لمّة وجنون ومراية وحكاية"

 

ومجموعة "جاز أويل" أدّت معزوفات ا تخلو من دلالات ومعان، ومن معزوفة " لمة" إلى "جنون" ف"حكاية" و"مراية"، مسك الختام مع معزوفة " تونس".

 

"لمّة" تجمع اللقاء والتعارف بما يحملان من روافد ثقافية واجتماعية جديدة وهي معزوفة تلخّص «لمة" العازفين في مجموعة " جاز أويل"، ثقافات موسيقية مختلفة التقت على قاعدة مشروع امتدّ كجسر بين المقامات العربية والإيقاعات الغربية.

 

"جنون" إشارة إلى جنون الفنّ الذي لا يعترف بالحواجز، جنون بكل ما يحويه من صخب وهدوء وانعتاق من سطوة الواقع، جنون الحب ومفاجآته غير المتوقّعة التي تكسر جليد الرتابة.

 

 "حكاية"، معزوفة تعبّر عن المفرد والجمع، لكلّ فرد حكايته ولكل شعب حكاياه ولكل وطن سيل من الحكايا، لكل يوم حكايته وربما حكايات، ووراء كلّ قصة معان ودروس.

 

"مراية"، معزوفة تختزل ذلك الكم من الاحاسيس اتي تنتابنا إذا ما وقفنا أمام المرآة، فيها دلالات عن حقيقتنا وعمقنا، والمرآة ليست فقط دلك الجماد الذي يعكس صورتنا يمكن أن تكون شخصا أو فعلا أو قولا، والوطن مرآتنا ونحن مرآته.

 

"تونس"، معزوفة تغنّت بتونس الحلم والفرح والحريّة والإرادة والنضال، فكانت فيها تونس " لمة وجنون وحكاية ومراية".

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.