يسرى الشيخاوي-
"حجر الواد"، تعبيرة عامية تحيل إلى أولائك الصامدين والثابتين في حياتك رغم كل التقلبات، أولائك الذين يتمسكون بك حينما يرحل الجميع، و"حجر الواد"، أيضا، المؤسسون الاوائل والرعيل الاول والقابضين على الجمر".
نفس التعبيرة اقتبسها المخرج محمد خليل البحري عنوانا لفيلمه الطويل الثاني بعد فيلم "لآخر نفس" الذي عرض في قاعة "الكوليزي"، وتحاول عبثا وانت تلاحق تفاصيل الفيلم ان تلمح الوادي أو الحجر، وتستمر المحاولات طيلة ساعة ونصف دون جدوى.
والفيلم من تمثيل أحمد الأندلسي ورؤوف بن عمر ومروى العقربي ومجد بلغيث ومالك العوني والأمين خوجة وأحلام الفقيه وعزيز باي، وباستثناء الفكرة والممثلين لا يختلف الامر كثيرا بين "آخر نفس" و"حجر الواد"، مرة أخرى تبدو الفكرة مغرية ومثيرة ولكن السيناريو يفتقر إلى الحبكة من فاتحته إلى خاتمته، والمراوحة بين الأحداث الراهنة وتقنية الفلاش باك بدت أشبه بالمتاهة لانعدام خيط ناظم بين الأحداث وإن كانت تراوح بين زمنين.
نسق الأحداث، أيضا، يتسم ببطئ زعزع البناء الدرامي للفيلم، قد يعلل البعض الأمر برؤية فنية للمخرح وأسلوب مغاير ولكن ذلك لا ينفي أنه كان بالإمكان تطريز الأحداث بأسلوب يسدّ كل التجاويف والفراغات وتقطع الطريق أمام حيرة "مزعجة".
الطريقة المعتمدة في التصوير والانتقال بين المشاهد والالوان المعتمدة هي الاخرى تدفعك إلى التساؤل عن رؤية المخرج وتصوره لأعماله السينمائية وعن التقنيات الجديدة التي يعتمدها ولا تستوعبها وانت تتمعّن حركة الكاميرا.
الإضاءة أيضا تبدو مارقة عن السيطرة في مشاهد كثيرة، وإن كان المبتغى عكس البناء السيكولوجي للشخصيات وتشريح صراعاتها الداخلية إلا أن الأمر لم يخل من غلو في "حجر الواد".
وأنت تقتفي اثر التشويق، تتلاشى ملامح السيناريو وتبدو بعض المشاهد منفصلة، ربما هو خيار من المخرج ولكنك مضطر في كل مرة إلى محاولة ربط المشاهد المفكّكة في محاولة لفهم القصة.
وإن صنفه صناعه في خانة السيكو دراما إلا أنه لا ينطوي على تلك الإثارة التي تأسرك ولا يضم في تفاصيله إبداعا لافتا ولا أثر فيه لأي تأثير أو ووقع فكل التركيز منكب على محاولة لظم السيناريو.
واحداث الفيلم، على سعي المخرج لتطريزها بالتشويق والغموض والضبابية، لا تهز مشاعرك ولا تستفز أفكارك ولكنها تشتت تركيزك في كل مرة وانت تحاول ان تبحث عن أجوبة لأسئلة لا تنتهي.
بعيدا عن الإخراج والإضاءة وإعادة كتابة السيناريو عبر الكاميرا وإدارة الممثل التي قد تختلف حولها التقديرات والملاحظات وإن كان في الأمر بعض المحدّدات التي يمكن من خلالها قراءة عمل سينمائي ما، يستعرض الفيلم عددا من المسائل على غرار الإعلام ورضوخه إلى اللوبيات، ودور الإعلام في توجيه الأحداث، ومرض الزهايمر، والصداقة.
والفيلم ينطلق من قصة مقدم برامج تلفزيونية تراوده تفاصيل تفضي إلى مقتل صديقه وزميله، ومن هنا تتواتر الأحداث وتتشابك بحثا عن حقيقة الاختفاء الغامض لهذا الصديق، وتتبدّى الشخصيات وتلتبس التفاصيل وينتهي الامر إلى عودة الصديق من الموت بطريقة غامضة، ويستمر الغموض وتتصارع الحياة والموت على أعتاب "حجر الواد".