جمعيات: مشروع تنقيح قانون الجمعيات “يُخفي رغبة للانفراد بالحكم ونظاما لا يعترف بوجود المعارضة”

مروى الدريدي-

أثارت مطالبة رئيس الجمهورية قيس سعيد بسن قانون يمنع تمويل الجمعيات من الخارج، حفيظة بعض الجمعيات واستياءهم، التي عبرت عن "رفضها القطعي لمشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 لما يحمله في طياته من تضييق على حرية تأسيس الجمعيات وحرية العمل الجمعياتي، واخفائه لرغبة دفينة للانفراد بالحكم ونظاما لا يعترف بوجود القوى المعارضة"، وفق تقديرها.

وكان قيس سعيد قد طالب بقانون يمنع تمويل الجمعيات غير حكومية من الخارج، معتبرا أنها، امتدادا لقوى خارجية، وذلك في كلمته الخميس في اجتماع مجلس الوزراء، قائلا: "هي في الظاهر جمعيات ولكنها امتداد للخارج"، مشددًا على أنه "لن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو القيام بحملات انتخابية".

وتابع: "لا مجال أيضا أن يتدخل في شؤوننا أحد لا بأمواله ولا بضغوطاته، نحن شعب له سيادته وكرامته"، مضيفا أن “الجمعيات التي هي في الظاهر جمعيات هي امتداد لأحزاب أو لقوى لفظها التاريخ.” في إشارة منه إلى معارضيه.

وتنشط في تونس آلاف الجمعيات غير الحكومية، وثمة مرسوم صدر عام 2011 يحجر عليها وفق المادة 35 منه “قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول.”

إلا أن المادة 41 من المرسوم نفسه تسمح بقبول المساعدات من بقية الدول الأجنبية بشروط منها نشر المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وذكر مصدرها وقيمتها .

وعبرت جمعية "الديناميكية النسوية"، التي تأسست بعد 25 جويلية 2021 والتي قامت على قيم النسوية، عن رفضها القطعي للمساس بالمرسوم عدد 88، اثر اطلاعها على تسريب لمشروع القانون الجديد، وساندتها كل من جمعيات (أصوات نساء، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية بيتي، ةجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، وجمعية المرأة والمواطنة للكاف، وجمعية توحيدة بن الشيخ، وجمعية كلام، وجمعية أمل للعائلة والطفل، وجمعية جسور بالكاف، وجمعية صوت حواء بسيدي بوزيد، وجمعية ريحانة بجندوبة، وجمعية دعم المبادرات في القطاع الفلاحي).

"انتكاسة لحرية الجمعيات"

واعتبرت الجمعية في بيان أن هذا المشروع "يمثل انتكاسة لحرية الجمعيات التي ناضلت من أجلها أجيال من المناضلات والمناضلين ويخفي في طياته رغبة للانفراد بالحكم ونظاما لا يعترف بوجود القوى المعارضة والأجسام الوسيطة من المجتمع السياسي والمجتمع المدني".
 
وأفادت بأن "هذا المشروع يمنح الإدارة سلطة تقديرية واسعة تمكنها من رفض تكوين الجمعيات وشبكات الجمعيات (الفصول 10 و27) أو حل منظمات المجتمع المدني " اليا بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة " (الفصل33) أو عند ارتكابها "لمخالفات جسيمة تقدرها الإدارة" (الفصل45)".
 
واعتبرت أنه "من الأوجه الخطيرة أيضا لهذا المشروع هو محاولة اضعاف الجمعيات من خلال إقرار وجوبية الحصول على ترخيص مسبق من اللجنة التونسية للتحاليل المالية لقبول المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية (الفصل 35)، وإقرار شرط المشروعية بالنسبة للعائدات الناتجة من مشاريع الجمعية (الفصل34)، دون بيان لمعنى لفظ "مشروعة" وتركه قيد السلطة التقديرية للإدارة مقابل تخليها عن مسؤولياتها تجاه المواطنات والمواطنين وتعويلها على منظمات المجتمع المدني للقيام بالمهام المعهودة اليها على غرار مناهضة العنف ضد النساء ووضع مراكز الانصات والتوجيه والايواء لفائدة النساء ضحايا العنف والتمكين الاقتصادي للنساء والفئات الهشة.
 
من جهة أخرى، فإن مقتضيات ذات المشروع تحمل خرقا واضحا لمبادئ وحقوق دستورية عبر إنفراد الإدارة بسلطة تقديرية واسعة، ومن بين هاته المقتضيات منع مسيري الجمعيات من الترشح للانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو المجالس المحلية، وفي ذلك خرق فادح للمبدأ الدستوري المتعلق بحرية الترشح المضمن بالفصل 34 من دستور 2014.
 
وبينت أن هناك خرقا للحقوق المضمنة بالدستور في الفصل 5 من المشروع الذي يضرب الحق في النفاذ الى المعلومة عبر رهنه بشرط "المصلحة التي لا تتعارض مع التراتيب القانونية الجاري بها العمل في الغرض" والحق في التظاهر عبر اخضاعه لشرط "الالتزام بالتراتيب القانونية الجاري بها العمل" والحريات الأكاديمية عبر إضافة شرط "النزاهة والحرفية والضوابط القانونية والعلمية المستوجبة ".  
 
واعتبرت الجمعية أن "المشروع يتضمن كذلك عبارات فضفاضة التي من شأنها أن تفتح باب التأويل على مصراعيه على غرار العبارة الواردة بالفصل 4: " كما يحجر عليها تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري و الديمقراطي ".
 
وبينت أن هناك "عدة تعقيدات في الإجراءات وتحديدا للوثائق المستوجبة لتأسيس الجمعيات دون أن تكون منها أي جدوى أو وجوبية الاستظهار بجملة من الوثائق الجديدة مثل "بطاقة الإقامة للأجانب، ونسخة تثبت استغلال المحل بوجه شرعي.." (الفصل10+16+32) أو تضمنه لشرط "الأهداف المتماثلة" (الفصل26) لتأسيس شبكات الجمعيات وفي ذلك محاولة من السلطة التنفيذية لإضعاف الجمعيات بوصفها قوة ضغط يتزايد تأثيرها باتحادها".
 
كما يحمل هذا المشروع، حسب الجمعية قيودا أخرى على غرار إمكانية عرقلة نشاط الجمعيات ان "خالف التراتيب القانونية الجاري بها العمل" (الفصل6)، أو الاقتصار على المنظمات التي تمارس "نشاطا يهدف الى تحقيق المصلحة العامة شرط أن لا يتعارض مع قوانين البلاد التونسية" في ما يخص بعث فروع للمنظمات الدولية (الفصل20)، معتبرة أن في ذلك حدّا من حرية تأسيس الجمعيات وتغييبا لدورها كقوة اقتراح وضغط وتوعية مواطنية ويقظة ديمقراطية، خاصة عندما يتعلق الأمر  بالقضايا التي تحيد فيها الدولة التونسية بقوانينها وممارساتها عن المعايير الدولية ومبادئ حقوق الانسان والتي تمثل التزامات لها عبر مختلف المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها.
 
وبينت أيضا أن هذا المشروع "يحمل هذا المشروع خلقا "لذوات معنوية جديدة"، أطلق عليها اسم مؤسسات النفع العام الوطنية، والتي «تحدث بمقتضى تصرف قانوني يتم من خلاله تخصيص دون رجعة فيه لأموال أو حقوق أو منافع قصد انجاز عمل يهدف الى تحقيق النفع العام" (الفصل 20)، ولسائل أن يتساءل عن الغاية من وراء احداث هاته الذوات أو لعلها تكون محاولة من السلطة التنفيذية لتمرير المشروع السياسي لرئيس الجمهورية عبرها وقد كان أحرى بالمرسوم إعطاء صبغة النفع العام الى الجمعيات التي تعمل فعليا لخدمة الصالح العام بطلب منها"، حسب نص البيان.
 
ودعت الجمعية "جميع مكونات المجتمع المدني في تونس والمناضلات والمناضلين الى الالتفاف حول التمسك بالمرسوم وتكوين جبهة للتصدي لأي محاولة من السلطة التنفيذية لقمع العمل الجمعياتي او تضييق عليه بتبني هذا المشروع والتوقيع عليه".
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.