بقلم: سعيد الخزامي
عشر سنوات مرّت على الثورة، ولم تحدث ثورة كان يفترض أنه بعد عقود من الاستبداد والظلم وقطع الأنفاس أن يندفع شعب، يفاخر بأنه متعلم ومتحضر ومنفتح، إلى البناء والإصلاح وتأسيس الديمقراطية، لكنّ توقع الحصاد الكثير ذهب مع رياح الفوضى والانتهازية والفساد، وبدلا من أن يلد الجبل جبلا أو سلسلة جبال، تمخض فولد فأرا.
تتالت انتخابات جئنا فيها بشخوص إلى الرئاسات والوزارات والبرلمان والبلديات، وتعاقبت حكومات وَعَدت جميعها بالانجاز والرفاهة، لكنّ دار لقمان لم يمسسها تطوير، لم تتحقق الأهداف في معارك الوعي، والتنوير، والديمقراطية، والعدل الاجتماعي، والرخاء الاقتصادي، والتخفيف من الفقر، وإنماء الجهات، ومحاربة الفساد.
لا شيء تحقق من الأهداف النبيلة غير الحفاظ على كيان الدولة، وانطلاق الألسن بالتعبير، وكتابة دستور صار لاحقا يثير الجدل. خلاف هذا، تدحرجت تونس من دولة صاعدة إلى دولة سائرة إلى التخلف، ومن نظام متسلّط إلى أَلاّنظام، ومن انعدام الحريات إلى الحريات المنفلتة، ومن فساد عائلة إلى فساد دولة… فشل مَن حكموها في صياغة مشروع سياسي اقتصادي يعالج مشاكلها، ويخرجها من أزماتها، ويدفع بها إلى العصر وقد تحولت إدارة الدولة عندهم إلى حالة صراع وتظليل وتهريج، لا تنافس فيها إلاّ على دوس القانون وجني المناصب والغنائم يستزيدونها من كلّ ما يمكن أن تمتد إليه أيديهم، من دون حساب ولا عقاب.
أنتجت السنوات العشر حياة سياسية بلا حسّ وطني صادق ولا مشاريع ولا استباق، تُجمدها الايدولوجيا، وتربكها الحسابات. وأفرزت دولة مستضعفة تنهشها عصابات التهريب ولوبيات المال الفاسد في حماية ساسة وأحزاب، وتوتِرها احتجاجات واعتصامات ومطالب يستثمر فيها سياسيون ونقابيون بخطب لا تنسجم مع ألم العاطلين وصرخات المناطق بالحق في التنمية.
ويبدو، مع كل هذا المشهد القاتم أن غالبية الطبقة السياسية عندنا لا تستوعب خطورة ما يحدث ولا تتعلم من أخطائها، إلا لو أن لها الوهم بأنها تجد راحة في عفن الحالة. ونعلم كم جرفت انتخابات 2014 و2019 من أحزاب وزعماء موهومين.
في العام العاشر من الثورة مازال يمسك بالبلد حكام بلا كفاءة ولا خبرة ولا قدرة على التدبير والتسيير والتواصل والاستشراف، وحالة مجلس نواب الشعب مثال صارخ، فيما أن الحكومة بلا قدرة على استنباط الحلول التي تعالج المشاكل وتشحذ الهمم وتدفع إلى العمل والإنتاج.
وأمّا رئيسنا فمازال، بعد أكثر من عام على دخوله قصر قرطاج، واقفا في مكانه يذكّرنا ببديهيات أنّ تونس دولة واحدة وهو رئيسها. ذاتٌ متضخمة أكثر ممّا هي عليه في حقيقتها لا نرى قدرة لها، وربما لا رغبة، على التغيير بالحوار الوطني المقترح أو من دونه.
الثورة مشروع تحرر وبناء وإصلاح عظيم خطفه انتهازيون في الأحزاب والنقابات والأعمال والإعلام وأخضعوه لنظام هو استمرار، في العمق، للمنظومة السابقة تحتاج تونس اليوم إلى تصحيحه وإلى أن تتصالح مع نفسها وبأدوات جديدة، في الانتظار، بدل أن يحتفل التونسيون بالثورة نرى أغلبهم يندبون في أيام حجر صحيّ أشبه بأيام حداد.
رحم الله شهداء الثورة والإرهاب.
*المقال منشور بصفحة الفايسبوك للإعلامي سعيد الخزامي