تونس في حاجة إلى ” حـجـر سـياسـي ” شامل

 بسام حمدي-

لا شيء يُعالج دون تداو ووقاية، وأمراض هذا الزمن تعددت وتنوعت ولم تعد تقتصر على أجسام الكائنات الحية بل إنها أنهكت الدول وأفشلت الكثير من الديمقراطيات نتيجة ممارسات سياسية غير صحية تتعارض والقيم المثلى للعمل الحزبي والمدني.

وفي تونس انتشرت الأورام في كل مؤسسات الدولة وتفشى طاعون الفساد في هياكلها وبات وضعها يحتاج فعليا إلى حجر سياسي شامل، يُحجر فيه العمل السياسي وقيادة الحكم على كل مبيضي الأموال والارهاب وينهي أحلام كل فيروس سياسي يطمح لكسب غنائم ويلهث وراء حب السلطة.

صحيح أن مفهوم العمل السياسي لا ينطبق ومفهوم الحب العذري وينبني حتما على طموحات الوصول إلى سدة الحكم، لكن في تونس اليوم أضحت الممارسة السياسية مبنية على حالات عشق للمناصب وفق مناورات وخيانات وصفقات سرية تفتح الباب أمام الكثير من الذئاب التي تخلف أمراض اقتصادية واجتماعية وسياسية.

باتت البلاد مكبلة بأهواء قادة الكثير من الأحزاب السياسية ودخلت طور الموت السريري الذي يستوجب إنعاشا عاجلا متبوعا بإجراءات قانونية وقائية تمنع كل متعمش من ركوب موجة الانتخابات وتعيد تونس إلى مرحلة التعافي التدريجي.

وضعُ الجمهورية التونسية يحتاج اليوم إلى حملة تلاقيح واسعة تكون جرعاتها قانونية ودستورية لنبدأ في مرحلة العلاج بدءا من محاربة الفاسدين وإبعادهم عن مركز السلطة وصولا إلى منع مبييضي الارهاب وممجدي الدكتاتورية عن دوائر النفوذ عبر جملة من التعديلات للقوانين لفرض الوقاية من انغماس مدبري المناورات غير الصحية في شرايين الدولة وأحشائها.

وبرهنت تجربة تونس الأولى في مجابهة فيروس كورونا خلال شهر مارس من عام 2020 أن القرارات العلمية الخارجة عن دائرة القرار السياسي قادرة على الانقاذ والانعاش والوقاية، وربما تنطبق هذه التجربة على المشهد السياسي إذا ما تمت الاستعانة بخبراء البلاد في الاقتصاد والاستثمار والقانون بعيدا عن الخيارات الحزبية الضيقة وهو ما يحيلنا حتما إلى ضرورة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تتولى الحكم الفترة المتبقية للمدة النيابية الحالية أي إلى حدود سنة 2024 دون التغافل عن ضرورة تنقيح القانون الانتخابي واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية.

ولن يكون الحوار الوطني لا ناجعا ولا نافعا إذا انتظم على شاكلة الحوار الذي التأم سنة 2013، فلن تنفع الصفقات بين الأحزاب الوضع الاقتصادي للبلاد ولن تغذي القبلات بين قادتها الميزان التجاري، فالوضع يستوجب حتما تشريك المؤسسات المالية والدستورية والهياكل الفاعلة على غرار هيئة مكافحة الفساد والبنك المركزي ومحكمة المحاسبات وهيئة الانتخابات في هذا الحوار ليغوص المشاركون في جلساته  في نقاشات عميقة تخص الأزمة التونسية.

وفي هذا الموقف، لسنا نتجنى على الأحزاب ولا نرمي تهما ضدهم، بل إننا نحاول الدفع إلى عناية تامة لكل مرافق البلاد باتباع نظام سياسي وقانوني صحي يُنعش بلاد انتفض شعبها حبا للكرامة والحرية.

وهذا الموقف لا يعني البتة أن تونس ما قبل ثورة 2011 لم تكن مبتلاة بالكثير من الأمراض السياسية، لكن اليوم أتاح لنا التحول الديمقراطي فرصة التعافي التي أهدرتها الطبقة السياسية الحاكمة بل إنها عمقت جراحها.

فمن يقدر اليوم على فرض حجر سياسي شامل يقصي كل تُجار الدين والسياسة من بلاد على أرضها ما يستحق الحياة؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.