عن أزمة تونس وحكايات ألف ليلة وليلة

 أمل الصامت –

غالبا ما تعود بك المواقف أو الصور أو المشاهد التي تعترضك في يومك إلى أخرى مشابهة كانت تختبئ في جزء من ذاكرتك.

هكذا هو الحال بالنسبة لما نعايشه في تونس اليوم من أزمة سياسية حبلى بالمواقف والصور والمشاهد اليومية الشبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة العالقة تفاصيلها في أذهاننا منذ الطفولة وأيام المراهقة.

تلك الحكايات التي ما كان لها لتنتهي وإلا قتل الملك شهريار زوجته شهرزاد التي حرصت على زيادة الفضول لديه في كل مرة كانت تسرد له قصة من قصصها حتى يبقيها على قيد الحياة أطول وقت ممكن.

ولئن كانت منطلقات شهرزاد تجعل حيلتها على الملك مشروعة، فلا شرعية لما يعيشه شعب تونس اليوم من تفقير وتهميش وسلب لثرواته المادية والمعنوية وإهدار لسنوات عيشه في بلد يحكمه لصوص هم أشبه بلصوص "علي بابا والأربعون لصا"، و"المحللون" و"المختصون" و"المراقبون" وحتى "السياسيون" يوهمون الرأي العام الوطني والدولي بأننا مازلنا في مسار انتقالي ستُجنى ثماره قريبا.

لصوص لا يشبعون مهما نهبوا من خيرات وأموال حتى والخزينة مفلسة، فما القروض والهبات التي تتسولها البلاد من البلدان الشقيقة والصديقة والصناديق الدولية إلا ممول لمطامعهم بعيدا عن تحسين الخدمات وتنمية الاستثمارات وتطوير الانتاج والنهوض بالاقتصاد الوطني وكل تلك الأكاذيب التي يروجون لها في الداخل والخارج لكسب مزيد من "الأموال المحرمة".

ولئن كان الملك شهرزاد مريض نفسي سيطرت عليه فكرة الانتقام من النساء اعتقادا منه أنهن جميعهن خائنات، فما حكام تونس إلا مزيج من عقد الشهوة والجشع والاستبداد. عقد تتجلى في الصراع على السلطة بطريقة ظاهرها شرعي وباطنها باطل، إذ يتقارع المتنازعون على الصلاحيات السياسية والدبلوماسية والتنفيذية استنادا لنص الدستور وفق ما يتراءى للعيان، ولكن في الحقيقة لكل اقتباساته الخاصة للقوانين وتأويلاته الخاضعة لمطامعه الشخصية الضيقة.

ومثلما تعتبر قصة "علاء الدين والمصباح السحري" خرافة، يبدو أن اقناع رؤوس السلطتين التنفيذية والتشريعية في تونس بضرورة تجاوز عقدهم والتفكير ولو قليلا في مصلحة البلاد والعباد من قبيل المعجزات، ولكن لعل الأصعب قدرة التونسيين على قلب الموازين وقطع حبل الثقة المتين الذي ربطوه مع أطراف لا تستحق ائتمانها على ثورتهم وثرواتهم.

ثورة في طريقها نحو الاجهاض وثروات لا مفر من استنزافها ولو بعد حين، إذا ما استمر الصراع على السلطة في تونس بهذه الشاكلة عاصفا بالاخضر واليابس، منبئا بثورة جياع وشيكة، فلا شجر الحرية طرح ثماره ولا نخيل الكرامة اشتد عوده ولا بئر الخبز الجافة أصبحت نبعا فياضا.

وإن كانت الأزمة التي فرضتها جائحة كورونا على مستوى العالم شديدة، فإن التعلل في تونس بكونها أرهقت المنظومة الصحية والاقتصاد الوطني ليس إلا مجرد كذبة كبرى  نحاول تصديقها، إذ أن تدمير المنظومة الصحية وخاصة العمومية انطلق وبطريقة ممنهجة منذ سنوات أما الاقتصاد الوطني فهيهات هيهات.

خلاصة القول، إن العيش في تونس يحكمها نساء نزيهات ورجال شرفاء حلم على براءته ومشروعيته صعب المنال، مثلما كانت قصة شهرزاد مع شهريار محض خيال.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.