تزامنا مع الأزمة الجزائرية: فرنسا تنشر تقريرا سرّيا يخص نظام بوتفليقة (وثيقة)

 نادية مسغوني-

تزامنا مع الأزمة الجزائرية: فرنسا تنشر تقريرا استخباراتيا يخص بوتفليقة

تتشكل في الجزائر، إرهاصات أزمة سياسية حادة، سوف تتفاقم بشدة إذا لم يتم الاحتكام إلى العقل، فقد سعت السلطة إلى فرض الأمر الواقع، بإصرارها على عهدة جديدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة رغم أنها كانت تستشعر حجم رفض خيارها، و بالمقابل لم تنجح المعارضة في الالتفاف على أدنى درجات التفاهم بفشلها في الاتفاق على مرشّحٍ يمثلها في الرّئاسيات. 

في هذه الاثناء تنتفض الجزائر بكل مكوناتها الشعبية و الطلابية و تجري قيادات في تنظيمات طلابية موالية لبوتفليقة مشاورات لإعلان سحب دعمها لترشح الرئيس، بعد الانتفاضة الطلابية الحاشدة، و"استجابة لنداء موقف الطلبة"، مخترقة بذلك صمت الحكومة و غير عابئة باستفزازها، محاولة بذلك  الالتحاق بركب القوى الحية بالجزائر وتعزيز خطوات التغيير الأولى.

و مع تفاقم الصد الشعبي لترشح بوتفليقة داخليا و خارجيا ( تحركات الجالية الجزائرية بالخارج) وفقدان النظام السيطرة على هذا الحراك المتنامي وجّه قائد الجيش الجزائري الفريق قايد صالح تحذيرات أو بالأحرى تهديدات مبطنة إلى الأطراف الداعية للتظاهرات المناوئة لترشح بوتفليقة ، في لقاء مع القيادات العسكرية في منطقة تمنراست جنوبي الجزائر أكد أن المؤسسة العسكرية لن تقبل أي لجوء الى العنف، ووصفها بـ"الجهات المشبوهة" و أن هذه التحركات تدفع البلاد نحو المجهول بعيدا عن المصلحة الوطنية .

ويمكن القول بأن موقف الفريق قايد صالح يتسم بـ"الحذر" إزاء التطورات واللجوء الى خيار الشارع، خاصة وأن هيئة الناشطين المؤطرة للحراك الشعبي غير واضحة.

ومن السابق لأوانه الحديث عن تدخل الجيش، ما دام الحراك سلميا،  خاصة وأن تدخل الجيش لا بد له من مبررات ، كالمساس بالممتلكات والمؤسسات والمرافق العمومية. كما أن تدخله الان يعد خرقا للقوانين قد تجعله ليس فقط في حراج أمام الشعب بل أمام العالم بأكمله خاصة و ان كل الاعناق مشرئبة لافاق لتطورات الوضع بالجزائر.

ولعل لهذا الوضع السياسي تأثيرات على الداخل و الخارج بشكل يقيني. وخاصة على فرنسا، التي تضم أكبر عدد للجالية الجزائرية ، في حين تلتزم عدة دول بالمتابعة فحسب حرصا على عدم إحراج النظام الجزائري الحالى، أو التدخل في الشؤون الداخلية لبلد صديق.

وتتابع أن فرنسا عن كثب تطور الاحداث و هي على استعداد للتخلي عن دعم بوتفليقة،  اذا ما كانت مصالحها مهددة ،(كل ما يخص الغاز- الوضعية العسكرية والأمنية في الساحل التي انخرطت فيها فرنسا) وهو ما يؤثر على المصالح الفرنسية في حال حدوث فوضى في هذا البلد العربي الأفريقي، إضافة إلى قلقٍ من طبيعة اجتماعية، وهو الخوف من تدفق مهاجرين جزائريين إلى فرنسا، خاصة و أن الجزائر بلد يصل عدد سكانه إلى 40 مليون نسمة، نصفهم تقل أعمارهم عن سن الـ20. وهو ما سيأزم وضعية الأقليات في فرنسا أكثر فأكثر، ويمنح وقوداً إضافياً لليمين المتطرف الفرنسي في حربه ضد الأجانب) 

ويجدر التوقف عند  افتتاحية لوران جوفران (مدير صحيفة "Libération")،  الذي نعت  ترشح بوتفليقة ب "عودة المومياء"، مستغربا ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة " رجل القشّ" على حد تعبيره، لولاية خامسة، ويسمح لوران جوفران لنفسه بالحديث عن "ربيع عربي جديد… نوعاً ما".. ودعى الى ضرورة تواجد بديل، وولادة حزب جديد  مدعوم من القوى الحية في البلد، يدفعه الشارع إلى الأمام. 

وتأكيدا لتخمينات تغير موقف فرنسا، فقد تم نشر تقرير استخباراتي عن بوتفليقة عندما شغل منصب وزيرا للخارجية أتى على تجاوزاته واستغلاله لنفوده و للمال العام بغاية الثراء، وبالرغم أن من حق فرنسا نشر ارشيفها بعد 50 سنه الا أن اختيار هذا التوقيت  يطرح عدة استفهامات..

وكأن فرنسا تؤيد ضمنيا موقف  غالبية الشعب الجزائري، و هي رقة تلعبها فرنسا في وقت حرج للغاية،  اما لمزيد الضغط على الحكومة الجزائرية لرفع سقف مطالبها أو لإبراز موقفها من بوتفليقه، ورفع "الحصانة" عنه.. وهو يربض حاليا بالمستشفى الجامعي بجنيف في حالة صعبة، مصحوبا بكل من أخويه سعيد بوتفليقه الذي يعد مستشاره الخاص و الناصر.

ولعل تواجد شق من جناح النظام ( جناح الرئاسة) خارج  القطر الجزائري وبعيدا عن التسيير وعن الحراك الشعبي وعن المفاوضات داخل قصر المرادية ، والتي لم تتوصل حتى الان الى حل للخروج من عنق الزجاجة، يمكن أن نحعل  من فرضية عدم  رجوعهم مع بوتفليقة الى وطنهم وارده جدا.

أما داخل أسوار قصر المرادية، فيعجز النظام  المتبقي ( الاستخبارات و جنرالات الجيش) عن التوافق ونسج خطه لمجابهة الازمة، كما تفيد مصادرنا المطلعة بأن الاختلاف يحوم بخصوص اعتماد قوة القمع، وهو رأي يتزعمه بعض الجنرالات و يشاركهم الوجه المدني " اويحي" رئيس الحكومة، وكذلك بخصوص اعتماد القمع في أفضل حالاته سيجعل الجزائر كليبيا وفي هذه الحالة سيخسر الجميع.

ويحتد كذلك الخلاف خول اعتماد حل وسطي ينهي العهدة الخامسة، و ينتهي بترشيح شخص اخر يمثل النظام، و يُعرض على الشعب.

زالى حد الآن، لم يحصل أي اتفاق ، و الخوف كل الخوف من أن الجهات المتنطعة داخل النظام و هي داعشية، لكن بالمفهوم السلطوي ، تقدم على عمليات قتل تنسبها الى إرهابيين أو غيرهم و تعيد سيناريو العشرية السوداء..

و لكن تجدر الإشارة   الى أن الجيل قد تجدد و الشباب المنتفض ولدوا بعد العشرية الدموية و بالتالي فاستراتيجية الصدمة و الرعب التي مارسها النظام في التسعينات ضد اباءهم لن تكون ناجعة، فالذين ولدوا سنة 1992 عمرهم الان 27 سنة أي أنهم لم يعاصروا التسعينات.

و من جهة أخرى يطفو اسم "رمطان العمامرة"  كاسم توافقي مبدئيا داخل قصر المرادية، ليتقدم كرئيس محتمل للبلاد، في حال فشلت مخططات سياسات المقاومه و القمع.

وعن العمامره فهو وزير سابق للخارجية، تم تعيينه مؤخرا  و تحديدا في 14 فيفري 2019 وزيرا للدولة و مستشارا ديبلوماسيا لرئيس الجمهورية و  هو منذ 2018 عضو في مجلس إدارة المنظمة الدولية " كريسيس قروب" و التي يوجد مقرها ببروكسال، كما شغل من 2013-2017 منصب وزير الشؤون الخارجية ثم وزير الدولة، و وزير الشؤون الخارجية و التعاون الدولي.

-قلق جدي من الغموض يلف الوضع في الجزائر و لجوء الجزائريين الى الشارع بيد فارغة و أخرى لا شيء فيها، دون قيادة، دون مشروع أو حتى مرجعيات

هو رهانٌ محفوف بالمخاطر، 

ولعل العقلانية و اعتماد مقاربة إستراتيجية لإدارة الأزمة السياسية  الحالية هما الحل، مع ضرورة تكاتف شخصيات ذات مصداقية من المجتمع المدني وشخصيات وطنية، لتغيير بوصلة النظام السياسي في الجزائر وتطويعه  لفائدة الصالح العام.

*نادية مسغوني – باحثة في الشأن السياسي الجزائري

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.