بقلم: عمر دغوغي الإدريسي
قبل الخوض في صلب الموضوع، وتجنبا لسوء الفهم ودرءا لشبهة التعريض أو نية القذف أو التجريح، في الأشخاص، نرى أنه من الواجب أن نحدد من نقصد بتجار الدين وما المعنى الذي نعطيه لكلمة الغفلة.
أشير إلى أن التجارة هي ترويج للسلع أو البضائع بهدف الكسب الربح، فالتجارة هي مهنة يقوم فيها التاجر بدور الوسيط بين المنتج والمستهلك، وقد تتم الوساطة، خاصة في علاقتها بالمستهلك، طبقا لما يرضي الله ولما يحفظ مصلحة الطرفين( لا ضرر ولا ضرارا) وقد يتم فيها إجحاف بحق المستهلك، إما غشا أو مبالغة في الربح، وفي كلتا الحالتين، يكون الربح، وفي كلتا الحالتين يكون الربح غير مشروع، وفي هذه الحالة نكون أمام تجارة فاسدة.
وهذا الفساد لا يسلم منه المجال الروحي، أي المجال الديني الذي يفرض فيه البعض نفسه وسيطا، فيستغل المعتقدات للتكسب الربح المادي والمعنوي، إذ هناك تجارة يمكن اعتبارها من أقذر أنواع التجارة، ألا وهي التجارة في الدين، فهي أخطر تجارة فاسدة على وجه الأرض، لأنها تستغل لأهداف خسيسة ووضيعة، القيم الروحية والمقدسات الدينية وتحولها إلى سلعة قابلة للتداول ومدرة لأرباح والمكاسب المادية والمعنوية على حساب القيم والمعتقدات.
إننا نقصد بتجار الدين كل الذين يستغلون الدين والتدين، سواء كانوا أفراد أو جماعات أو كانوا أحزابا أو حركات، لتحقيق مكاسب دنيوية تحت الغطاء الديني.
فأن يقوم البعض بعمل، ظاهره إحساني وباطنه استغلال الحاجة الناس وفقرهم لحسابات عينة، شخصية كانت أو جماعة، هو من صميم المتاجرة بالدين،وأن يتم استغلال أماكن العبادة وتوظيف الدعاة والوعاظ للدعاية لهذه الهيئة أو تلك أو لهذا الشخص أو ذال، هي متاجرة بالدين بكل تأكيد.
وأن يقوم تجار الدين بإرسال الناس إلى الفردوس الوهمي باسم الجهاد، في حين ينعمون هم بالفردوس الأرضي بعيدين عن بؤر الصراع والفتن، ليس من التجارة التي لن تبور في شيء ( أي علاقة لها بالتجارة مع الله عز وجل) بل هي متاجرة بالدم البشري ونصب على الضحايا الذين يدفعونهم إلى الانتحار وارتكاب جرائم في حق الآمنين والمؤمنين من الناس مسلمين وغير مسلمين، بعد التغرير بهم بالطمع في الجنة وحور العين، وقس على ذلك.
ويستثمر هؤلاء التجار في الغفلة بشكل رئيسي، وهنا تحضرني مقولة أو بالأحرى دعاء رائج، أو على الأقل، هكذا كان الأمر في أسواقنا، خاصة في البوادي، لفظها كالتالي: “الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري”، والغفلة هنا تعني غياب الفطنة واليقظة والحذر إلخ.
وإذا ما تمعنا في مدلول هذا الدعاء، سنجد أنه ينطوي على غير قليل من الخبث، ذلك أن الغفلة بين الشريكين “البايع والشاري” قد تعني الاستغفال، أي ” الشمتة” بالدارجة المغربية، وهو قصد خبيث ذلك أنها تعني الخداع، وبالتالي فهي تفترض وجود مخادع ومخدوع.
وفي كلتا الحالتين، يكون المغفل أو الذي تم استغفاله، سوء كان بائعا أو مشتريا هو الضحية.
لكن في المجال المتاجرة بالدين، فإن الغفلة تكون دائما لفائدة البائع، أما “شاري” فيكون دائما وأبدا هو الضحية، وليس صعبا أن نفهم السبب.
فالبائع وتجدر الإشارة هنا، إلى أن للتعبير المجازي سطوته وسلطته في تقييم العلاقة بين البائع والشاري، يقدم بضاعة لها بريق خاص “شعارات رنانة ووعود وردية تسيل لها اللعاب، قد يبلد حواس الشاري، فيعدم التمييز بين الرداءة والجودة ويضعف عنده الميزان تقييم عوامل الربح والخسارة، فينغمس في الغفلة إلى أخمص قدميه ويصبح فريسة سهلة للأوهام التي يسوقها تجار الدين المستثمرين في الغفلة.
والشاري في هذا المجال “مجال المتاجرة بالدين” وهو مجال الاحتيال بامتياز، إما أن يكون مغفلا “سادج جاهل…” وبالتالي يسهل خداعه بالخطاب الأخلاقي ، المدغدغ للعواطف والمتستر خلف المقدس والروحي، وإما أن يتم استغفاله من قبل البائع باستعمال كل الحيل وكل أساليب التضليل لطمس الحقائق وتزويرها للوصول إلى الهدف، أي الغفلة بين البائع والشاري، فالبائع هنا يبذل جهدا لتصريف بضاعته، لذلك لا غرابة أن يلجأ تجار الدين إلى خداع المسلم وإيهامه بأن دينه في خطر وأن عليه أن يقاتل ويحارب لنصرة الدين.
يبدوا أن تجار الدين نجحوا، ليس فقط في تضليل عامة الناس، بل وأيضا استطاعوا أن يخدعوا العديد من نخب المجتمع من أطباء والمهندسين ومثقفين وأكاديميين ورجال الأعمال وغيرهم.
وأعتقد أن مجال الذي تعرف فيه المتاجرة بالدين رواجا كبيرا ويعرف فيه الاستثمار في الغفلة طفرة نوعية وتقدما ملموسا، هو مجال السياسة.
ولا أجد تفسير آخر غير استغلال الدين الإسلامي أبشع استغلال من قبل الأحزاب التي تدعي المرجعية الإسلامية لمعرفتها بتشبث الشعوب الإسلامية بدينها، وهي تعرف جيدا أن مشروعها السياسي والمجتمعي لا علاقة له بهذا الدين الذي يأمر بالعدل والمساواة والكرامة والحرية، واحترام الاختلاف والجدال بالتي هي أحسن.
وتعتبر الأحزاب الإسلامية الأكثر التي تستثمر في الغفلة، ويمكن اعتبار خطاب الشهريج والشعبوية والمظلومية، التي يستخدمها رئيس الحكومة، أسلوبا ومنهجا للاستغفال، ويبدوا أنه قد نجح في ذلك، وإلا فكيف سنفسر النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية الأخيرة، بينما قرارات الحكومة التي يقودها لا تزيد وضعية الطبقات المتوسطة والفقيرة إلا تدهورا وتهميشا متأزما تاما.
* صحفي وفاعل جمعياتي