بعيدا عن تعليقات “الساخرين”: حوار السبسي بيّن “قدرة خارقة” لرئيس كل التونسيين؟!

 أمل الصامت –
 
منذ الاعلان عن الحوار المباشر لقناة الحوار التونسي الخاصة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم الاثنين 24 سبتمبر 2018، ظل الرأي العام ينتظر ما سيدلي به "رئيس كل التونسيين" من آراء وربما قرارات تهم الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد ومن ورائها كل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي ما من ضحية لها غير المواطن بكل أطيافه وتوجهاته ومشاغله، فليس العبء على فقير دون غني أو عامل يومي مقارنة برجل أعمال أو صاحب مؤسسة تجاه أجير أو رجل وامرأة.. الكل يجرفهم الوادي نفسه.
 
ولعل ما جاء به حوار السبسي كان محل نقد من البعض واستحسان من آخرين كأي كلام يصدر عن حاكم لديه من يصطف وراءه ومن يعارضه، إلا أن الملفت للانتباه في الحالتين هو إصرار الرئيس على الحديث عن غياب الصلاحيات التي تسمح له بالتدخل المباشر في إنهاء الأزمة أو حتى مجرّد إيجاد السبل إلى ذلك، مكتفيا في ذلك بترك وصية للتونسيين بتغيير الدستور من بعده في إشارة إلى ضرورة التنصيص على صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية حتى لا يقع ربما من سيخلفه في الرئاسة في نفس "الفخ" الذي وقع فيه هو ويكون رئيسا بلا صلاحيات.
 
وهنا يمكن التساؤل عما إذا كانت الصلاحيات وحدها هي التي منعته من دعوة المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي لتلبية رغبة عدد واسع من أبناء الحزب -إن لم نقل أغلبيتهم- في التنحي من منصبه والكف عن اتخاذ القرارات المصيرية بشأن الحركة؟ أليس من صلاحياته إعلان اللجوء إلى الفصل 99 من الدستور والذي يخوّل له أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها ويحسم بذلك الخلاف حول بقاء الشاهد وحكومته من عدمه؟
 
أمران بسيطان كان يمكن للسبسي أن يتطرّق إليهما في حواره فينهي بذلك أزمة سياسية طال أمدها، خاصة وأن أحدهما يتطلب رغبة لا صلاحيات، أما الآخر فهو نابع من صميم الصلاحيات التي "انتحب" على فقدها الرئيس.. الرئيس الذي ما انفك يؤكد على أنه رئيس كل التونسيين وأن كل التونسيين أبناؤه طيلة الحوار الحدث الذي اشرأبت له الاعناق أمام شاشات التلفاز مساء الاثنين طمعا في ما يبعث الأمل من جديد من شخص لطالما تشبه بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة خلال حملته الانتخابية فكان يتحدث مثله ويستشهد بالآيات البينات مثله حتى أنه ارتدى النظارات السوداء مثله، ولكن يبدو أن الغايات لم تكن نفسها ولا النتائج.
 
المؤكد أن الباجي قائد السبسي لم يطلب إجراء حوار مباشر لطمأنة التونسيين، أو على الأقل من كانوا سببا في وصوله إلى سدّة الحكم، بل لدرء كل التسريبات والأقاويل التي تدور حوله، وهو نفسه من صرّح بذلك عندما قال حرفيا: أنا علاش جيت اليوم.. خاطر يقولو فيا أمور عمري ما قلتها"، وكان الأمر كذلك فعلا إذ اقتصر رئيس المليون و700 ألف ناخب على نفي ما قيل دون إضافة ما يجب أن يقال، فأنكر أنه الراغب في إنهاء التوافق مع حركة النهضة ورمى الكرة في ملعبها، ودحض فكرة مساندته المطلقة للسبسي الابن دون أن يؤكد العكس، كما استبعد فكرة رغبته في رحيل رئيس الحكومة وكأن الأمر شُبهة.
 
وبعيدا عن تعليقات الساخرين وتأويلاتهم حول فقدان الباجي قائد السبسي القدرة على التحكم في أفكاره والاتيان بجمل غير مترابطة بتعلة تقدمه في السن، بين رئيس الجمهورية "قدرة خارقة" على التنصل من كل مسؤولية قد تلقي به في مربّع التقصير في إيقاف نزيف الأزمات الذي بات يهدد استقرار البلاد على أكثر من صعيد، وهو الرئيس بلا صلاحيات، في صورة قد تعود بنا إلى أزمة من أزمات الحكم زمن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي والذي كان يؤقلم "الصلاحيات" مع كل موقف محرج يعترضه.
 
خلاصة القول في ما قاله رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي في حوار الاثنين على قناة الحوار التونسي، إنه بدلا من طرح الحلول زاد الرأي العام أو جزءا محترما منه -حتى لا نتهم بالحديث باسم الشعب- غليانا وشكوكا حول مصير البلاد والعباد، في زمن بات فيه الحاكم ومسؤولوه كل يغني على ليلاه.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.