” برتوفارينا” لابراهيم اللطيف: السينما في مواجهة النمطية والعنف الرمزي

يسرى الشيخاوي-
 
 
السينما، هي ذلك المجال الابداعي الممتد في المجتمع، تعكس تحولاته وتغيراته وتعرض تجلياته المتنوعة والمتناقضة أحيانا، والعمل السينمائي هو تمثلات المخرج عن الواقع، تمثلات يوظف فيها الصور والمشاهد في رؤية فنية تعري الظواهر الاجتماعية.
 
وفي فيلم "بورتوفرينا" للمخرج ابراهيم اللطيف، تعرّت البنى الاجتماعية، من خلال نقد اجتماعي امتزج بطابع كوميدي يسهل من خلاله تقويض بعض الممارسات والسلوكيات في المجتمع التونسي.
 
و"بورتوفرينا"، هو الاسم الاسباني القديم لمدينة غار الملح الواقعة في ولاية بنزرت حيث صور الفيلم، والمخرج أوجد رابطا بين عنوانه والموسيقى التي تخللت المشاهد التصويرية وملابس الممثلين.
 
ملابس طغت عليها ألوان الطيف، ارتداها الممثلون الذين ينتمون في أغلبهم إلى أب الفنون، ليحملوا المشاهد في رحلة تغادر الحاضر إلى الماضي لتعود إليه من جديد، رحلة قد تبدو لك متناقضة في بعض تفاصيلها.
 
والفيلم الذي عرض للمرة الاولى في قاعة الكوليزي، من تمثيل محمد ادريس وفاطمة سعيدان وجميلة الشيحي ووجيهة الجندوبي ونجوى زهير ومحمد علي بن جمعة وأسماء عثماني ولطيفة القفصي ومحمد السياري ومنيرة الزكراوي ورياض حمدي وفوزية بوميزة.
 
و"بورتوفارينا " وإن كان في ظاهره كوميدي، فإنه نقدي في باطنه إذ يكشف عيوب المجتمع من خلال عائلة "البحري"، وهي عائلة ترزح تحت عبء سلطوية فرج البحري(محمد ادريس)، وهو رجل متسلط بعقلية ذكورية.
 
وغطرسة البحري لا حدود لها إذ تمتد من بيته إلى الميناء حيث لا يلقي بالا لتذمر الصيادين ومطالبتهم بحقوقهم التي ظلت أسيرة لمزاجه.
 
والفيلم يعري النمطية التي تكسو النظرة للمرأة ومعاملتها بصفة دونية وذلك من خلال ممارسات فرج البحري وتحكمه في نساء المنزل، وهو "الرجل" الذي تتجلى هيبته في أحذيته اللامعة، أحذية يحرص عليها وكأنها أبناؤه ويصرخ في زوجته عائشة ( فاطمة سعيدان) إذا تعلق الأمر بها.
 
وهذا العمل السينمائي الذي يعرض في قاعات السينما انطلاقا من19 جانفي 2019، يعري العنف الرمزي الذي يمارسه الرجل على المرأة وتستبطنه هي وتتبناه، وهو ما يتجلى في إجماع نساء المنزل على أن علي (محمد علي بن جمعة) يجب أن يتزوج مرة ثانية لينجب اطفالا، وقد وصفت والدته زوجته الفرنسية شانتال التي لم يرزق معها بالأطفال ب"الشقف بلا سلعة".
 
وهذه النظرة التي تتبناها النساء في منزل البحري تضاددها منية (وجيهة الجندوبي) التي تعيش دون قيد او حد ولا تعترف بالنواميس والقوانين ولكن ثمن ذلك لم يكن بالهين.
 
والفيلم يتعرض أيضا لإرغام الفتاة على الزواج من رجل لم تختره دون إيلاء اي أهمية لمشاعرها، وعادة ما يكون هذا الرجل من أقربائها، وهو ما حصل في عائلة البحري ، فالأب المتغطرس قرر أن يزوج ابنه علي من ابنة أخيه سارة ( أسماء العثماني) التي تصغره ب20 سنة.
 
لا احد يهتم لميول سارة ولا يولي اهتماما لرغبتها إلا صديقتها حسناء ( نجوى زهير) إذ يمتد بينهما رباط وثيق يتجاوز الصداق، وإذ سارة تمردت ورفضت الزواج بابن عمها نعتت من "كبير " العائلة بالعاملة في الماخور وهو ما يعكس أسلوب السواد الأعظم من الرجال مع المرأة.
 
و"بورتوفارينا " يوجد المفارقات التي ينطوي عليها المجتمع فعيش علي في فرنسا لم يمنعه ان يفكر بعقلية والده ويعتبر أن المرأة مجرد وعاء لانجاب الاطفال، وقد نجح في خلق الضحك من خلال نقد عادات وظواهر اجتماعية باسلوب فنية ورؤية سينمائية تظافرت فيها بساطة النص وجمالية الإخراج وتناسق الوان اللباس والإضاءة وأداء الممثلين المقنع.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.