هناك حالة تململ وملل عام في البلاد ويأس من نخبة سياسية أثبتت حتى الان بؤسها ما في ذلك شك. نستقبل الذكرى الثالثة من بداية احداث 17 ديسمبر وسط عدم اكتراث عام وملل من البرامج والهرطقات السياسية المكررة والممجوجة والتي لم تغير شيئا حتى الان من الحياة اليومية للتونسيين. حلم الخروج والهجرة الى خارج البلاد بقي يحتل أولويات العشرات من الشباب التونسي وسط أزمة اقتصادية وسياسية عامة ووسط انعدام برامج حقيقية تشجع هذا الشباب على الرهان على مستقبل أفضل في البلاد.
لا جديد تحت الشمس منذ ان اعتقد عديد التونسيين أنهم قاموا بثورة غيرت الخريطة السياسية وأحدثت زلزالا اسقط ثلاثة انظمة عربية. اكتشف التونسيون ان النخب والأحزاب التي جاءت بها الثورة ارتهنت الى صراع ديكة على السلطة دون اي بدائل حقيقية. اكتشف التونسيون وبعد نصف قرن من دولة الاستقلال ان النخب السياسية تكرر الاستقطاب الحاد بين الاسلاميين والعلمانيين الذي عاشته البلاد منذ حوالي عشرين سنة. الحصيلة حتى الان تجاذبات وجدل غير محسوم حول هوية الدولة التي يريد التونسيون تأسيسها. تعقدت الوضعية الاجتماعية بملفات اخرى من قبيل مسلسل اختيار رئيس الوزراء وعدم المصادقة على الدستور والارهاب والوضع الاقليمي الهش.
صحيح أن بلادنا لم تنحدر الى العنف والفوضى حتى الان مثلما هو حال الوضعية الليبية أو الحالة المصرية. وصحيح أيضا ان مؤسسات الدولة وادارتها اثبتت قدرة كبيرة على التكيف مع الوضع السياسي، غيرأن أسوأ ما في الحالة التونسية أنها حالة انتظار وعجز سياسي يضرب كل طبقات النخبة السياسية. لا الاسلاميون استطاعوا تقديم بدائل حقيقية ولا المعارضة استطاعت ان تجمع فئات الشعب حول مشروع تنمية حقيقي.
الذين عاشوا عشريتي الرئيس السابق يعلمون ان مرض العزوف عن الشأن العام كان السمة الابرز في تعاطي التونسيين مع الوضع السياسي طول تلك المدة. اليوم في عصر حرية التعبير نحن نسير بخطى ثابتة لاجبار المواطنين على سلوك النهج نفسه الذي عشناه في السابق. و ما يزيد في وتيرة العزوف العام عن الشأن العام هو الاختيارات الخرقاء لاحزاب سياسية عجزت عن ايجاد رئيس وزراء فالتجأت الى الارشيف التاريخي لتقدم لنا شيوخا لقيادة عشرة ملايين تونسي ثلاثة ارباعهم من الشباب!