7
بقلم: نبيل الأحمدي
"وقفت الزنقة بالهارب"، ليس أبلغ وأصدق من هذا المثل الشعبي ما يمكن أن يختزل أزمة التحوير الوزاري ووضع رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي وجد نفسه في طريق مسدود بعد أن ناور وكابر وإغتر.
المشيشي وجد نفسه اليوم بفضل خياراته وخضوعه لإملاءات حزامه البرلماني في وضع لا يسر الصديق ولا حتى العدو، فهو اليوم رئيس لحكومتين الأولى مشلولة ومجمدة بعد إعفاءه 11 وزيرا منها والثانية في وضع" الانتظار" وما قبل" الانهيار" في ظل إصرار رئيس الجمهورية على رفض إستقبال الوزراء الذين تتعلق بهم شبهات الفساد لأداء اليمين.
وكأن كل ذلك لا يكفي لرسم الشخصية الدرامية للمشيشي الذي وللمفارقة يقود في نفس الوقت، وزارة الداخلية (بالنيابة) التي أصبحت منذ إقالته لسلفه توفيق شرف الدين محور الانتقادات والجدل بسبب تعاملها المفرط مع الاحتجاجات.
وحتى ننصف الرجل المغمور والإداري الوافد حديثا إلى محرقة السلطة، لا يجب أن ننسى بأن المشيشي كان في البداية خطأ تحول إلى خطيئة، خطأ إرتكبه الرئيس قيس سعيد بعد أن دفع به بكل ثقة في ولاءه إلى واجهة الأحداث، وخطيئة للشيخ راشد الغنوشي الذي استغل الخطأ وأراده عصفورا نادرا في قفص الطاعة وواجهة لصراع النفوذ والصلاحيات بينه وبين الرئيس.
صراع الشد والجذب بين الرجلين (الشيخ والرئيس) تكشف منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، وكان محور المشهد السياسي لأكثر من عام ونيف.
المشيشي كان خطأ لا يغتفر لرئيس الجمهورية قيس سعيد الذي منحه القدر فرصة أخرى للتدارك والتعويض عن سوء إختيار إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، فإذا به يدفع بجندي مجهول سرعان ما إنقلب عليه وناصبه العداء بعد أن أغراه حلفاء البرلمان.
المشيشي كان خطأ قاتلا للرئيس، خطأ عزله في قرطاج وقلم أضافره وأنهى سطوته على القصبة بعد إقالة من والاه من الوزراء. خطأ أتصور بأنه جعل الرئيس يقضم أصابعه ندما على سوء الاختيار والمنقلب.
وبما أننا في أرض البدع والتمادي، كان لا بد للخطأ أن يتمادى حتى يصبح خطيئة لمن إحتضنه وأسره كغنيمة حرب. لقد تحول المشيشي من خطأ للرئيس إلى خطيئة للشيخ.
المشيشي لم يعد عصفورا نادرا ومطيعا بل تحول بتنطعه إلى عبئ أثقل ظهر الشيخ المتوجس الذي يحاصره تمرد في "مونبليزير" يقول منفذوه "توقف ليس هناك من مزيد"، وثورة متواصلة في باردو تهدد بإسقاطه من "عرش" البرلمان.
المشيشي تحول إلى خطيئة، أخرجت الشيخ في ثوب المطبع مع الفساد الذي أسقط بالشبهات حكومة خصمه وإذا به على أساسها يبني تحالفا وحكومة جديدة، وبثوب المتنكر للثورة بعد تحالفه مع "أزلام" النظام القديم.
المشيشي تحول إلى خطيئة، كشفت عن وعي أو بغيره عن نوايا الشيخ الطامح لنظام برلماني خالص يترك خصمه الرئيس حبيس لقصر قرطاج، وعرت صراعه على الصلاحيات مع أستاذ القانون الدستوري.
المشيشي تحول إلى خطيئة للشيخ، بعد ان منح للرئيس الخصم قبلة الحياة، وسلاحا قلب به الطاولة على الجميع، و فرصة فرض بها شروطه و"فتاويه"، وماء دافئا اغتسل به الرئيس "المخطأ" ليخرج على الجمع مفتيا وحاملا للواء الدفاع عن الدستور ومحاربة الفساد.
إن شقاء المشيشي وتقلبه بين الخطأ والخطيئة لا يقل عن ذلك الشقاء الذي إبتلي به سيزيف في الاسطورة الاغريقية. اما وقد ضاقت به سبل النجاة فإن السؤال المطروح هل سينتصر"سيزيف" في النهاية للخطأ أم للخطيئة؟