المشيشي.. الرهينة أم الخديعة

بقلم: نبيل الأحمدي 

إنتهى أخيرا مسلسل حكومة إلياس الفخفاخ التي كانت عبئا ثقيلا على مناصريها قبل معارضيها، بنيل حكومة هشام المشيشي ثقة "مريحة " وغير بريئة من البرلمان ليفتح بذلك باب التساؤلات على مصرعيه حول المتحكم المستقبلي والفعلي بدفة القيادة في القصبة والسيناريوهات المقبلة للمشهد السياسي في البلاد.
 
فوز المشيشي بثقة البرلمان وإن كان أمرا متوقعا لا بل محسوما، حتى قبل إعلانه عن فريقه الحكومي، بسبب تخوف الأحزاب من كابوس حل البرلمان وارتدادته، إلا أن تطورات ال24 ساعة الأخيرة في قصر قرطاج، قبل جلسة منح الثقة أثمرت مشهدا سياسيا جديدا تحول فيه معارضو رئيس الحكومة الجديد إلى حلفاء وداعموه إلى معارضين لا بل أقرب إلى أعداء. 
 
المشهد الجديد كما بدا واضحا من جلسة منح الثقة وما رافقها من رسائل(تصريحات وصور) وخطاب الرئيس المتشنج والغاضب، هو أن الترويكا البرلمانية الجديدة (النهضة /قلب تونس/ إئتلاف الكرامة)، إستغلت ما يبدو بأنه خلاف بين الأستاذ وتلميذه، لتستقطب حكومة المشيشي وتنفرد بها، كرهينة أو غنيمة حرب، تاركة الرئيس في عزلة رمى فيها نفسه، يتجرع مرارة الندم والهزيمة.
 
وبمنطق الربح والخسارة، فقد حققت حركة النهضة ومن والاها إنتصارات كبيرة بمرور حكومة الميشيشي، أولها رحيل الفخفاخ وتجنب حل البرلمان والأهم من ذلك خروج الحكومة من تحت عباءة الرئيس في إنتظار إجراءات "التطهير" والتحوير، وكذلك ضمان عودة ورقة التكليف إلى البرلمان ومنه إلى الحركة. أما الخاسرون من المشهد الجديد فهم رئيس الجمهورية وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وهي جهات تحولت مع حكومة المشيشي من سدة الحكم إلى خندق المعارضة.
 
إلى هنا يبدو المشهد واضح المعالم والملامح ، 
لكن ما عهدته تونس من عبثية و"إنقلابات سياسية" بين القصبة وقرطاج طيلة السنوات الماضية يحتم الترقب والتريث قبل تقديم أي إستنتاجات، خاصة في ظل غموض شخصية رئيس الحكومة الجديد. 
ولأن المشيشي سيكون في عين العاصفة، ومحور المشهد لأشهر مقبلة، فإن تركيبة شخصيته وطموحاته السياسية سيكون لها تأثير كبير على مجريات الأحداث ومستقبل المشهد السياسي. 
وفيما يشير الانطباع الأولي إلى أن المشيشي شخصية مستقلة حزبيا ذات طابع إداري، وتجربة سياسية قصيرة(وزارة الداخلية/ مستشار لدى رئيس الجمهورية)، فإن رضوخه لإبتزاز ومطالب حزامه البرلماني بإجراء التحويرات الوزارية التي كشف عنها رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، وتحوله إلى كاتب دولة لدى الترويكا الجديدة يبدو أمرا مستبعدا.
ولأن شح تصريحات وخطابات المشيشي تجعل من التنبؤ بشخصيته وسلوكه أمرا صعبا، فيمكن تحديد مواصفات شخصيته من خلال تعامله مع التكليف الرئاسي بتشكيل الحكومة، إذ يبدو واضحا من خلال قبوله عرض رئيس الجمهورية وشروطه التي رفضها قبله وزير الدفاع السابق عماد الحزقي، وقبلها حقيبة وزارة الداخلية في حكومة الفخفاخ، أن للمشيشي طموحات سياسية تكبر مع كل إستحقاق وفي كل محطة وأنه مؤمن بنظرية "التمسكن" والتمكن.
 
كما يشير تعامل المشيشي مع الرئيس والذي وصفته سامية عبو بالخيانة، أن رئيس الحكومة الجديد، شخصية تبدو هادئة و"مطيعة" لكنها قوية وقادرة الصدع ب"لا"، فيما يعد إرتماء "الإداري الطموح" في أحضان خصوم "أستاذه"، والقبول بشروطهم لنيل الثقة، دليلا على أن المشيشي شخصية ذكية، لكنها برغماتية لا تؤمن إلا بالولاء لطموحاتها، لن تجد حرجا في تهديد حلفاء اليوم بالعودة إلى ظل الرئيس لمقاومة مطالب إجراء تحويرات على حكومته أو أي مطالب أخرى.
 
 
تفيد المؤشرات الأولية أننا أمام نسخة جديدة من يوسف الشاهد، إنقلاب على الرئيس وارتماء في حضن النهضة إلى غاية صناعة إسم ووزن ونفوذ في المشهد السياسي، إلا إذا فاجأنا المشيشي بوجه جديد و"غريب عن ما عهدناه.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.