المسىرحية الفرنسية “بيلياس وميليزاند”: الحياة بلا حب فناء

 يسرى الشيخاوي –

"من دون الحب كل الموسيقى ضجيج.. كل الرقص جنون.. كل العبادات عبء"، مقولة لجلال الدين الرومي تستحضرها وانت تشاهد عرض المسرحية الفرنسية "بيلياس وميليزاند" وتضيف عليها كل الحياة فناء.

والمسرحية التي جذبت إليها جمهورا انتظر انطلاقها بعد نصف ساعة من موعد عرضها دون كلل أو ملل، منذ بدايتها تستشف أنك أمام عمل مسرحي يقطع مع السائد والمألوف.

انطلاقة سينمائية للعرض الذي كانت فيه السينما في خدمة المسرح طيلة المشاهد التي رسمت ملامح أثر فني مختلف ومتفرد يسافر بك بين الواقع والخيال وبين مشاعر إنسانية متناقضة.

شاشة كبيرة تتوسط ركح مسرح الجهات بمدينة الثقافة، شدت إليها الأنظار من خلال أداء ثنائي لبطلين من المسرحية "غولود" و"ميليزاند"، الأول كان يلاحق الطرائد في الغابة فظل طريقه وسار على غير هدى إلى أن وقعت عينيه على فتاة تبكي بحرقة.

كان اللقاء في بدايته حادا موسوما بدموع "ميليزاندا" التي كانت تبكي من أمر لم يفلح "غولود" في معرفته ولكنه أفلح في أن يصطحبها معه إلى قصره بعد أن هدّأ من روعها وافتك منها تفاصيل عن حياتها.

والمسرحية التي عرضت في إطار قسم مسرح العالم، من إخراج جولي ديكلوس ودراماتورج ونص موريس ماترلينك وأداء ماثيو سامبور واليكس ريمير وفانسون ديسيي.

قصر بارد وباهت لاتعرف الشمس سبيلا إلى دواخله، وخارجه غابة مظلمة لا تعرف سماءها الصفاء، وقلب فتاة عشرينية يملأه الحزن، حزن زاد في عمقه زواجها من "غولود".

في القصر يعيش أيضا "بيلياس" الذي نشأت بينه وبين "ميليزاند" قصة عشق ممنوع، يشدهما البرد والظلمة إلى بعضهما البعض ويتقاربان أكثر وكأنهما خلقا من روح واحدة.

وبعد مكابرة ومحاولات عدة للسير عكس تيار الحب اعترفا لبعضهما البعض بحب بدأ وكأنه ولد معهما، وفي الضفة الأخرى حيث الأفق المظلم يتربص بهما "غولود" ويبحث عن خيط رفيع يلفه على رقبة زوجته وشقيقه، وكان أن تجلت أمامه الحقيقة عارية ذات ليلة حالكة لم يكن تضيؤها سوى شعلة الحب المتقدة.

قبلة وراء قبلة يعقبها عناق مطول، قطعته غيرة "غولود" العمياء وانطفأ نور الحب بموت "بيلياس" على يد أخيه، وظلت "ميليزاند" حية على قيد الموت حتى وهبت الحياة لابنة أرادت لها أن تكمل مسيرة حزنها الذي بات له اكثر من مبرر.

الأم التي تبكي حبيبها لم تقو على حمل ابنتها بين ذراعيها، لم يعد بإمكانها تحريك ذراعها الذي أحدث به "غولود" جرحا غائرا ذات عناق، لكن الجرح لم يكن يؤلمها وإنما قلبها، لم يقتلها نزيف ذراعها وماتت بوجع القلب.

مشاهد مسرحية، صورت معاناة المحبين ومرارة البين وغضب الغيرة الذي يطفئ سراج العقل، غيرة جعلت "غولود" يبكي على الأطلال بعد أن كان سببا في موت حبيبين وهو الذي يعلم علم اليقين أن "ميليزاند" لم تحبه يوما.

وقبل موتها بلحظات اعترف "غولود" لزوجته بأذيتها له ولكنها لم تكن تفقه ما يقول فهمها في تلك اللحظة أن تواصل عناقها مع حبيبها "بيلياس" في عالم آخر لا رقيب فيه، فليست كل الأوقات مناسبة للاعتراف والاعتذار.

وفي العرض الذي دام قرابة الساعتين، مراوحة ممتعة بين المسرح والسينما، وكلما تجاوز الإطار المكاني القصر تدخلت السينما لتعرض تفاصيل الأمكنة وتساندها المؤثرات الصوتية لتجعل المشاهد أكثر واقعية.

ورغم طول العرض الذي دام قرابة ساعتين، ظل الجمهور مشدوها إلى تفاصيل العرض الذي كان فيه النص وأداء الممثلين غير المبالغ فيه والسينوغرافيا نقاط قوة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.