“الفوندو”.. أكثر من استياء وأكثر من نقطة ضوء

يسرى الشيخاوي- 
من بين الأعمال الرمضانية التي حظيت بنسب مشاهدة عالية وفق ما تبيّنه الإحصاءات وتكشفه التعليقات المتواترة لرواد العوالم الافتراضية، مسلسل "الفوندو" للمخرجة سوسن الجمني.
"الفوندو" يروي حكاية "يحي" (نضال السعدي) الذي يقضي عقدين من الزمن في خلف القضبان لتهمة لم يرتكبها، ومن قصة "يحي" تتفرع أحداث المسلسل لتلامس قضايا مجتمعية عدّة أثار بعضها الاستياء.
وفيه مراوحة بين الماضي والحاضر، وهو امتداد من سنوات طفولة " يحي" وقصة قتل "مريم" رفيقته إلى معانقته الحرية وإصراره على كشف الحقيقة وهو الذي خسر الكثير بذنب غيره.
المتأمل في فكرة المسلسل تتبادر إلى ذهنه سلسلة " من قتل سارة" التي عُرضت على "ناتفليكس"، ويقف أمام رأيين الأول قد يرى الأمر اقتباسا لا غبار عليه والثاني قد يعتبره سرقة فنّية.
وفي الأثناء يبرز رأي ثالث يبارك تونسة الفكرة وخلق مسارات درامية أخرى مغايرة للسلسلة الأصلية، إلى جانب الاحتماء بـ"كاستينغ" تعبق بعض اختياراته برائحة الحنين إلى الزمن الجميل.
وبعض المشاهد التي يبرز فيها ممثلون من الرعيل الاوّل على غرار الساحر رؤوف بن عمر والأخّاذ كمال التوارتي والرائعة نعيمة الجاني نقاط ضوء تمتد لتلامس أداء جيل آخر من الممثلين على غرار أميرة شلبي وسهير بن عمارة.
بعيدا عن نقاط الضوء، أثار " الفوندو" أكثر من استياء في صفوف جهات مختلفة  لتتواتر البيانات المنددة ببعض التفاصيل أو المشاهد وتثير عديد النقاشات بخصوص النزعة نحو الصنصرة. 
أكثر من استياء.. 
وإن كان الجميع على وعي بأن ما يرد من مشاهد في المسلسلات قد يكون انعكاسا لواقع ما في قطاع ما ولكنه لا يعني قطعا تعميم الامر، والأخداث التي يقال إنها لا تمت للواقع بصلة ليست إلا اقتباسا منه.
بغض النظر عن التقييمات الفنية أو الأخلاقية للمسلسل، فإن الواقع لا يخلو من الانحرافات في كل القطاعات، والرشوة ليست بالبدعة واستغلال الاستاذ لسلطته ليواعد تلميذته ليس من محض الخيال، وتهريب الذهب ليس بالمستحيل، والسخرية من الآخر المختلف عنا ليس اختراعا.. 
والاستياء من "الفوندو" شمل الجمعية الوطنية للتعليم، وجمعية دمج، وبائعي المصوغ، والحرس الوطني، إذ كانت البداية مع رئيس الجمعية الوطنية للتعليم الدهماني اللجمي الذي وجّه ”تنديدا واستنكارا” للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، على خلفية الصورة المسيئة للأستاذ في المسلسل.
وإن كان اللجمي لا يضادد الفكرة فإنه يرى في مداخلته في برنامج رمضان شو أنه  كان يمكن للمخرج الاشارة لها بطريقة أخرى.. "إما إيحاء أو إشارة.. هناك طرق سينمائية أخرى”، وفق قوله.
من جهتها قدمت الجمعية التونسية للعدالة والمساواة اليوم الجمعة ”دمج” ، شكاية ضد قناة الحوار التونسي و مسلسل ”الفوندو” بسبب ما تضمنته الحلقة 3 من ”وصم وإهانة وتحريض ضد المودعين/ات من مجتمع الميم-عين في السجن على اساس الفصل اللادستوري 230”، وفق بيان صادر عن الجمعية.
رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصوغ حاتم بن يوسف ترجم أيضا استياء تجار المصوغ قائلا  إن الصورة التي أعطاها المسلسل عن تجّار الذهب، وهي صورة من يعيشون في بذخ "لا تمتّ للواقع بصلة".
أما الإدارة العامة للحرس الوطني فقد أصدرت بيانا اكّدت فيه أنها ستقوم بالأبحاث الإدارية والإجراءات القانونية وبتتبع كل من يتعدّى على سمعة السلك، وذلك إثر مشهد  لدورية حدودية تابعة لسلك الحرس الوطني تقوم بتفتيش سيارة يتحصل فيها عون الدورية على رشوة من صاحب الوسيلة.
أكثر من نقطة ضوء.. 
كثيرة هي نقاط الضوء في المسلسل، ولعل من أبرزها أغنية الجينيريك التي شدّت إليها الأذان ولاقت انتشارا واسعا وهي من أداء مغني الراب "جنجون" والموسيقى التصويرية التي اوجدها الموسيقي مهدي مولّهي أيضا كانت فارقة في العمل.. 
وفي علاقة بالكاستينغ، كانت عودة نعيمة الجاني إلى الأدوار الدرامية في دور الأم نقلة في مسيرتها وإثباتا أن الفن الحق هو الذي يجيد التقلب بين الأدوار دون مبالغة في الاداء، ويكفي أن يكون سلاحه الإحساس العميق والصدق.
وفي المشهد الذي جمع بين الفنانين رؤوف بن عمر وكمال التواتي، اختزال لجبروت أداء المسرحيين وقدرتهم على تجاوز حدود الزمان والمكان دون الحاجة إلى سيل من الكلمات أو الحركات، هو فقط التمكن من مفاصل التمثيل والتحكم في خيوط الشخصيات لتحريكها بكل حرية لتبدو أكثر واقعية.
أما المشهد تلذي جمع الفنانة سهير بن عمارة بالفنان محمد علي بن جمعة في البحر، فقد تظافرت فيه عدة عناصر من ذلك  أداء الممثلين الموشح بقدرة على التأقلم مع السياق والظروف والغوص في الشخصية رغم صعوبة تصوير المشهد لعوامل مناخية، إلى جانب زاوية تصوير اللقطات التي اعتمدتها المخرجة سوسن الجمني، وهو مشهد يروي الكثير عن تشبّع مؤدّييه بالفن.
مغني الراب مروان الجبالي "نوردو"، مثّل الاكتشاف  في مسلسل "الفوندو" في قدرته على تقمص الدور دون تصنع وتمكنه من التقلب بين المواقف الدرامية والمواقف الكوميدية بسلاسة.
والثنائي "نوردو" ونسيم بورقيبة في دوري "جوزيف" وابنه، حققا قدرا من المتعة في أحداث المسلسل لما تميز به اداءهما من انسجام ومرونة حتى أنهما يوهمان المشاهد بواقعة صلة القرابة بينهما.
الممثلة اميرة الشبلي في دورة "درة" من بين نقاط الضوء في المسلسل، فهي في كل مرة تثبت قدرتها على التقلب بين الشخصيات دون أن تتأثر بإحداها، متجدّدة هي ومتلونة وصادقة في أدائها.
 
 

 

 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.