العواشرية سجنان: قرابة 400 عائلة تشرب من مياه عين تَرِدُها الخنازير.. ومسؤولو الجهة “لا يبالون”

مروى الدريدي-

حوالي 400 عائلة تشرب من حنفية واحدة منذ عقود، مصدرها مياه عين في أعلى الجبل، تلك هي معاناة أهالي العواشرية حدادة من معتمدية سجنان التابعة لولاية بنزرت.
 
حنفية واحدة في سهل أسفل جبل سجنان، ماؤها لا ينبع من شبكات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياة (صوناد) وإنما من عين مائيّة تسمى "عين الابل" في أعلى الجبل، وهو ماء غير معالج ويشرب منه الأهالي مباشرة دون تصفيته من الشوائب التي قد توجد به.
 
بالقرب من الحنفية لا غطاء ولا شجر يقي أهالي العواشرية عند ملء الماء في الأوعية البلاستيكية (بيدون) من قيظ الحرّ أو صقيع البرد، فضلا عن المعاناة اليومية التي يتكبدونها في حمل هذه الأوعية الثقيلة. فانحناءة ظهر العم عمر وهو يملأ الماء وثقل الوعاء الذي تحمله "فاطمة" لوضعه على ظهر الحمار، (انظر الفيديو المصاحب) كلها صور تجسد هذه المعاناة التي عمقتها سنوات من الخذلان والنسيان من مسؤولي الجهة.
 

 
"ملّي تخلقت هذاكا حال العواشرية، تو عمري 57 سنة ولليوم لا حياة لمن تنادي من المسؤولين.. لا عمدة لا معتمد لا رئيس بلدية.. عمرو لنهار جانا منهم واحد ولا سأل حد منهم على حالنا"، هكذا تحدث مجيد السحباني الذي أجبرته الفاقة وضيق الحال وغياب مواطن شغل في سجنان على الانتقال إلى العاصمة للعمل وإعالة أفراد عائلته.
 
مجيد السحباني بيّن لحقائق أون لاين، أن منبع مياه الحنفية هو عين في سفح الجبل وكان الأهالي لسنوات طويلة يصعدون إلى هذه العين عدة مرات في اليوم لجلب المياه وهي عملية مرهقة وشاقة جدا لوعورة المسلك الجبلي. وتابع بالقول: "بمجهود خاص من أهالي العواشرية ودون أدنى مساعدة من المسؤولين، تم ربط مياه العين بواسطة "حلاقم" وتركيز حنفية في سهل أسفل الجبل للتخفيف ولو قليلا من مشقة الصعود والنزول يوميّا إلى مصدر المياه.
 
 
 *الحنفية التي يشرب منها الأهالي والتي ينبع ماؤها من "عين الابل" في أعلى الجبل
 
وأكّد محدثنا أن منبع العين في أعلى الجبل ترِدُ منه الخنازير البرية والذئابن قائلا: "هي حيوانات اعتدنا على وجودها بالمنطقة منذ سنوات طويلية، وهي تشرب من ذات العين وبالتالي فمياهها ملوثة، إلا أنه لا خيار أمام أهالي العواشرية غير الشرب منها وإلا فإنهم سيموتون عطشا"، مبينا أن عددا من الأهالي على غرار والدته يعانون من أمراض الكلى جراء تلوث المياه.
 
وتحدث مجيد بحرقة عن نكران مسؤولي الجهة لمنطقة العواشرية، حيث أنهم لا يزورون منطقتهم مطلقا ولا يسألون عن حالهم، وفق تعبيره، إلا في فترة الحملات الانتخابية يأتون إليهم حاملين الوعود "الكاذبة" ثم لا يروهم مُطلقا.
 
 *مجيد السحباني
 
وحاولت حقائق أون لاين الاتصال مرارا برئيس بلدية سجنان وبمعتمد الجهة إلا أنه يتسنّ ذلك، فالأول غير موجود والثاني هاتفه مغلق..!.
 
وتكمن المفارقة هنا في أن معتمدية سجنان بها سدّ افتتح منذ عام 1994 يقع على بعد حوالي 23 كيلومترًا شمال شرق سجنان، ويمكنه أن يحتفظ بما يصل إلى 113.580 مليون متر مكعب من المياه، ويبلغ متوسط ​​التدفق السنوي 95.186 مليون متر مكعب، غير أنه تبقى سجنان من أكثر المناطق التي تشكو فقرا مائيّا، لغياب دراسات واستراتيجيات من وزارة الفلاحة و"الصوناد" لربط هذه المنطقة الريفية بالماء الصالح للشرب.
 
كما أن الجهات الرسمية لم تتدخل يوما لتركيز خزّانات وملئها بمياه الصوناد، وهي عملية ممكنة جدا ومتاحة وحل من الحلول لضمان مياه نظيفة للاهالي، بما أن ربط المنطقة بشبكة الصوناد يبقى حلما صعب المنال بالنسبة للجهة.
 
*صورة فضائيّة لسد سجنان
 
لقد بات من الضروري أن تفكر الحكومات بجدية في إنهاء معاناة المناطق الريفية مع العطش، فسجنان واحدة من عدة مناطق ريفية حُرمت لعشرات العقود من حقها في مياة نظيفة وعانت من تنكر كل المسؤولين، علما وأن تونس ستعاني مستقبلا على غرار عدة بلدان في العالم، وفق دراسات علمية، من الفقر المائي نظرا للتغير المناخي، وقد تتعمق أزمة المياه نظرا لسوء التصرف في الموارد المائية والاستغلال العشوائي لها وتلك معاناة أخرى..

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.