الصين والدول العربية: علاقة شراكة بخطى ثابتة

يقول مثل صيني إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحا، واذا  أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانا..، مقولة صينية جسدها سنة 2020 سفير الصين بتونس عندما تبرع بنصف مرتبه الشهري لفائدة صندوق مقاومة فيروس كورونا، دعما لمجهودات تونس في التغلب على هذا الوباء.

تسعى دولة الصين الى تأصيل  قيم الانسانية والتعاون والشراكة في اطار انفتاحها على الدول العربية لإنشاء علاقة جديدة ومتميزة، وسيشهد شهر ديسمبر المقبل من العام الجاري، محطة مهمة في العلاقات الصينية العربية ،حيث سيتم عقد  ثلاث قمم صينية خليجية وعربية هي  الاولى من نوعها في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

* قمم صينية عربية واعدة

ستتوج القمة الصينية العربية باستراتيجيات مستقبلية ومشاريع عملّية، تساهم في تطوير التعاون العربي الصيني في مجالات الاقتصاد و الاستثمار و الصناعة و النقل و المواصلات و الطاقة و الموارد الطبيعية و البيئة و الزراعة، بما يحقق التبادل المشترك بينهم.

ولأنّ لكل رقعة جغرافية ميزاتها وخصائصها، سيلعب العملاق الصيني على  حسن استغلال ثروات المنطقة ومنتوجاتها لإتاحة الفرص للشركات الصينية للاستثمار في هذه الدول خاصة الدول التي بحاجة لذلك لتنفيذ الأهداف التنموية.

آفاق كبيرة ستجمع  المنطقة الخليجية والعربية التي تعاني من  أزمات اقتصادية تعمقت بفيروس كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بدولة الصين التي تعد  من أكبر الاقتصاديات المؤثرة في العالم.
ومن المؤكد انّ التعاون والتبادل بين الصين والدول العربية سيكون مثمرا لجميع الاطراف خاصة ان دولة الصين تأتي في المرتبة الثانية من حيث ترتيب أعظم القوى العالمية بخصوص إجمالي الناتج المحلي، وفق أرقام  صادرة عن صندوق النقد الدولي (انقر هنا). 

* الصين وتونس : شراكة متميزة في المجال الثقاقي

الحقيقة ان مساعي الصين قديمة متجددة، فعلى غرار باقي الدول العربية التي تعاونت معها الصين، وجدت الصين في  تونس ما يجمعهما من مشاريع ثقافية.
وقد تم خلال أكتوبر المنقضي تكريم الوفد الصيني المشرف على انجار مشروع المركز الثقافي الصيني، ويعد هذا المشروع واحدا من المشاريع الكبرى التي تنفذها وتمولها الصين بالكامل في تونس، وهو يحمل اسم "المركز الثقافي والرياضي للشباب بالمنتزه الحضري".

وتُقدر مساحة هذا المشروع، والذي يُوصف بأنه أحد العناوين البارزة لعلاقات التعاون الثنائي البناء والمُثمر بين الصين وتونس، بأكثر من 5 هكتارات، تم تخصيص 3 هكتارات منها للبناءات في شكل مساحة مغطاة تتكون من مسبح ومرافق تابعة له ومبنى للإدارة وقاعات متعددة الوظائف ومكتبة وقاعة عروض تتسع لأكثر من 500 مقعد إلى جانب قاعات رياضية داخلية ومنطقة تمارين وترفيه بولينغ.

كما تشتمل المساحة المغطاة على قاعة انتظار وفضاء ألعاب للأطفال وحجرات ملابس تابعة للملاعب الخارجية ووحدة سكنية للإيواء تحتوي على 50 غرفة مزدوجة تتسع لـ100 سرير فضلا عن مطبخ ومطعم.

ويضم هذا المشروع أيضا ملعبين لكرة القدم المصغرة وملعبا لكرة اليد وآخر للكرة الطائرة فضلا عن ملعب خامس لكرة السلة إلى جانب ملعبين للتنس وفضاء للتزلج.

وتواصل الصين قدما في شراكتها لتونس في المجال الثقافي، وأمضى البلدان مطلع العام الجاري 2022، اتفاقية تعاون بينهما في المجال الثقافي وينص الاتفاق على تبادل الزيارات و تعزيز التعاون في مجال الصناعات الثقافية الإبداعية والرقمية، وتنظيم مهرجانات، ولقاءات فنية مشتركة بين الجانبين .

ومن بين المشاريع التي تعمل عليها وزارة الشؤون الثقافية مستقبلا ، تنظيم مهرجان صيني تونسي واقتراح مشروع مشترك لدبلجة الأفلام التونسية إلى الصينية، بما يساهم في مزيد التعريف بالثقافة التونسية وخصوصياتها الحضارية.

وكشفت وزيرة الثقافة أن "تونس ستعمل بالتعاون مع الصين لإقامة أول مهرجان سينمائي صيني تونسي، لا سيما الترويج للمواقع الأثرية والمعالم التراثية التي تزخر بها تونس.
ولان للغة الصينية مكانة مهمة في العالم، ولاقت انتشارا في تونس، واصبحت تجذب الشباب لاكتشاف حضارة الصين ولغة شعبها، تم توقيع بروتوكول للتبادل الأكاديمي والثقافي بين البلدين ولتعليم اللغة والحضارة الصينية.

وفي هذا السياق تحدثت  الباحثة امل المكي لحقائق اون لاين، عن تجربتها الأكاديمية مع اللغة الصينية حيث انها سافرت للدراسة هناك بمقتضى تعاون تونسي صيني يمكن المتعلمين المتفوقين من الدراسة في جامعة دولية في بيكين.

*إطلالة على الصين من عيون شابة تونسية درست في بيكين
 تقول المكي في معرض حديثها معنا :"قضيت 6 اشهر في بيكين ورغم أن الصين تجمع حوالي 60 اثنية عرقية مختلفة الا انّ الجامعة الدولية في بيكين تعد فضاء منفتحا ومتنوعا، والصينيون الذين تعاملت معهم  كانوا متعاونيين جدا ومنفتحين ويتحدثون الإنجليزية جيدا وهم قادرون على ربط علاقات اجتماعية قوية".

وبإعجاب سردت لنا المكي أهم سمات الشعب الصيني، وقالت: قيمة العمل عندهم عالية ومرتفعة كما انهم قنوعين وفي نفس الوقت لديهم طموح لتحسين انفسهم سواء معرفيا او اقتصاديا.

وبنبرات ضاحكة تحدث عن قاسم مشترك بين المطبخ الصيني والتونسي حيث أن للتونسيين والصينيبن طقوس مشتركة في التفنن في تقديم الأكل وتزيينه، ضف الى ذلك ان المجتمع الصيني والتونسي يتوحدان في قيمة العائلة والعلاقات الاسرية وثيقة جدا ومترابطة لدى الشعب الصيني على غرار مكانة الاسرة في  مجتمعاتنا العربية.

وتحدثت التونسية امل المكي عن اهم موعد احتفالي لدى الصينيين خلال مكوثها هناك وقالت : في  عيد الربيع بيكين تفرغ  لترى محطات النقل ممتلئة بآلاف الناس العائدين الى مدنهم وقراهم للاحتفال بالعيد وسط عائلاتهم.

ومن لا يعرف عيد الربيع الذي تتحلى به الصين والذي يعد من أهم أعيادها التقليدية  ويحتل مكانة مهمة في قلوب الصينيين حيث يودع الصينيون الماضي ويستقبلون عاما جديدا، و يطلق عيله ايضا رأس السنة الصينية أو  السنة القمرية الجديدة ، حيث يبدأ الاحتفال مع بداية أول شهر قمري في السنة الصينية، وينتهي في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر،و يسمى أول يوم باسم «عيد الفانوس»  أما ليلة العيد فتعرف باسم «تشوشي»
ويحتفل بعيد  الربيع في العديد من المناطق حول العالم  اين تتواجد الجاليات الصينية. ويختلف موعدها من سنة إلى أخرى، لكنه يقع دائماً بين أواخر جانفي ومنتصف فيفري.

واعتبرت الشابة التونسية أن دولة الصين ودراستها هناك والتجربة الصينية ككل تعد اكتشافا بالنسبة لها.

ولم تفوت الاكاديمية امل المكي فرصة للتنويه بنظام المعاملات الادارية هناك، وقالت: الحقيقة انك  لا تتعطل اطلاقا، الصينيون يحترمون قيمة الوقت، ففي اول  يوم توجهت فيه  الى الجامعة  الدولية،3 ساعات كانت كافية  لأسجل وأتحصل على كتبي اللازمة للدراسة والمنحة المالية تم ذلك في اقل من 3 ساعات .
وتضيف المتحدثة:  قيمة الوقت ومصالح الغير امر مقدس بالنسبة لهم، أذكر جيدا أني رايت حفرة في الطريق، وفي يوم الغد صباحا لم يعد لها اثر، لقد تم إصلاح الطريق ليلا لكي لا يتم تعطيل الناس على مدار ساعات النهار..

منذ سنوات عرفت العلاقات الصينية العربية تطورا ايجابيا بين التعاون المشترك والمقترحات التي تبني لعلاقة جديدة تجمع الصين بنظرائها العرب بما فيه مصلحة جميع الاطراف المتداخلة، ويقول متابعون للشأن الجيوسياسي إن الصين ستلعب دورا مهما في المنطقة الشرق أوسطيّة والافريقية مستقبلا…

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.