لم يكن يوم الجمعة 11 ديسمبر 2015 عاديا في أوساط العائلة الديمقراطية و التقدمية في تونس بمناسبة احياء ذكرى اربعينية رحيل أحد فرسان الفكر النيّر والكلمة الحرّة الشيخ اليساري محمد الهاشمي الطرودي.
ربّما كان الحدث احتفاء أكثر منه نعيا ورثاء لشخصية طبعت بأفكارها و نضالاتها و صدقيتها لفترة هامة من تاريخنا الراهن بصمات و آثارا لا تمّحي من ذاكرة كلّ من عرف الشيخ الطرودي سواء من قريب أو بعيد، من رواد الحركة الديمقراطية،ومن متابعي الشأن العام و الحياة الفكرية و الثقافية والسياسية التونسية، ومن أبناء صاحبة الجلالة.
لقد كانت أربعينية الكاتب والصحفي الهاشمي الطرودي أمسية جمعت كهولا وشيبا و شبابا أتوا من كلّ فجّ عميق من أرض الخضراء للاحتفاء بذكرى ميلاد جديد للشيخ اليساري الذي قد لا تفيه كلّ مفردات التقريظ أو النصوص المحبّرة حقّه في الاعتراف بقامته الباسقة التي عاشت محن حياة الكفاف بكرامة وعزّة وماتت غنيّة بالحبّ والاحترام لمسيرة مثقف عضوي آمن بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية وبقيم المواطنة و الاختلاف البنّاء.
إنّ الحديث عن تجربة الكاتب والصحفي الهاشمي الطرودي لا يمكن قطّ أن تختزلها الكلمات أو الكتب أو حتّى المجلدات فهي رحلة بلا خواتيم و مسيرة بلا نهايات. فقد رحلت روح الشيخ اليساري إلى عالم اللاهوت الميتافيزيقي لكنّ أفكاره و كتاباته وفلسفته في الحياة ستظلّ خالدة أبد الدهر.
من المهم هنا القول بأنّ تجربة ابن مدينة نفطة مع السجون و الاضطهاد، زمن انخراطه في الحراك النضالي مع منظمة "برسبكتيف" أو بعدها في المجتمع المدني و العمل الصحفي في سبيل كسر أغلال الاستبداد السياسي أو الفكري الدوغمائي والتوق للحريّة، يمكن أن تلخص مسيرة جيل أو ربّما أجيال من أبناء دولة الاستقلال الذين آمنوا بالوطن وبالديمقراطية والحداثة مطيّة لبناء تونس أفضل.
لقد كان الشيخ اليساري ذو التكوين الزيتوني زهرة تفوح عبقا و سلاما بين يدي جلاّديه و نبراسا يضيء درب مريديه،وها هو اليوم شمعة تأبى الانطفاء لتنير الطريق لأجيال جديدة وسط غياهب الليالي الدهماء.