الجزائري “شمسو”.. الراعي الذي أصبح فنانا عالميا

 يسرى الشيخاوي- 

حياته لم تكن ملوّنة حتّى أن الأسى يوشّح كل ثناياها، وتفاصيلها لم تكن هينة ولكنّه كان متسلّحا بالأمل يقارع به سواد الواقع من حوله ويكتب بأحرف هلامية أنه سينتصر على كل العراقيل ولو بعد حين.

في الوقت الذي تعاضدت فيه كل الظروف ليسقط أرضا ويقبر حلمه، تعثّر كثيرا وقاوم ولم يفرّط في حلمه في أن يكون فنانا عالميا، فنان متشبّث بالطريقة التقليدية في تصميم معلقات الأفلام ورسمها.

هو الجزائري شمس الدين بالعربي الذي تمسّك بكل تفاصيل هذه المهنة شبه المنقرضة وجعل منها فضاء رمزيا يتماهى فيه عشقه للسينما وشغفه بالرسم، وكما قارع كل العراقيل التي صادفته يقارع فكرة رقمنة هذه المهنة.

وأمام مغريات التقدّم في رسم الملصقات، سعى إلى تطوير هذه الفكرة وتحديثها بما يتلاءم مع الواقع عبر إضافات تقنية تمكّنه من منافسة ملصقات " هليود" ، وفق قول محدّثنا الذي خاض ملاحم كثيرة قبل أن يذيع صيته في عالم السينما.

في قرية صغيرة في مستغانم الواقعة غرب الجزائر ولد سنة سبعة وثمانين وتسعمائة وألف وعاش حياة درامية في جوانب كثيرة منها، هناك كان راعيا للغنم في سن الخامسة وكان يرافق خاله إلى المرعى فيمران في الطريق بصفحات الجرائد وتشدّه صور نجوم السينما.

في كل مرة يلتقط الراعي الصغير الجرائد الملقاة على الأرض ويتأمل تفاصيل الصور ويعيد رسمها على الرمال لتتفتّح موهبته قبل أن يكتشفها معلموه في المدرسة حيث أولى اهتمامه إلى الألوان دون بقيّة المواد.

في المدرسة لم يلبث كثيرا فظروف عائلته لم تتح له فرصة مواصلة الدراسة وانتصر الفقر على رغبته في التعلم وهرب إلى الشارع حيث امتهن الرسم وشرع في تزيين المحلات التجارية، لكن التجربة لم تكن هينة وكانت مشوبة بالاستغلال والمعاملة القاسية.

في سن صغيرة، في ربيع طفولته كان وجهه الصغير يحترق بأشعة الشمس وأنفاسه تتقطع وهو يحمل السلالم الحديدية التي تختزن الحرارة وتترك أثرها على أنامله الصغيرة وفي المقابل يبخسونه أجره ويتوعدونه في حال أخبر الشرطة لكن ذلك لا ينفي مصادفته لمن شد على أزره وساعده.

في الأثناء كان " شمسو" يبتلع ألمه كلما مر بجانب قاعات السينما ويجول بأنظاره بين الأفيشات والصور الضخمة لنجوم السينما ويعيد رسمها على أوراق يستجير بها من ضيق المكان الذي يسكن فيه وعائلته، غرفة واحدة حيث المطبخ وغرفة النوم وورشة الرسم.

عشرات السنين أمضاها في الرسم، ومع كل رسم جديد يذرف ما تيسّر من الدمع وهو يرقب تهاطل قطرات المطر وتسربات الرياح من سقف الغرفة الذي أتى عليه الزمن، وفي مرات كثيرة أتلف المطر رسوماته وأحدث جرحا في قلبه.

ومع كل الوجع الذي يسكنه لم ييأس وأرسل كل رسوماته إلى شركات إنتاج سينمائية أجنبية عن طريق البريد، ومع هذه الخطوة نُعت بالمجنون ولكنه لم يلق بالا إلى كل الملاحظات من حوله وواصل العمل في الشارع متحدّيا كل الصعاب.

إلى جانب الوضع القاسي واجه " شمسو" صعوبات صحية لكنه بقي متحصنا بالأمل حتّى تلقّى رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليوود، مخرج عرّف بأعماله في الأوساط السينمائية وصار يتلقى طلبات من مخرجين ومنتجين عالميين ورسم معلقات لأفلام عالمية منها "The News"و "Honor" و" Garra Mortal" و" Bucks of America"و" Chinese Hercules The BOLO YEUNG Story". 

 إصرار "شمسو" وتمسكه بحلمه رغم الأشواك المتناثرة في سبيله، صارت جعل منه حقيقة لا تقبل الدحض وعُرضت أعماله الفنية في مهرجان كان السينمائي الدولي وغيرها من المهرجانات العالمية وحظيت بمشاهدة الممثل العالمي "JIMMY GOURAD RAMDAN" الذي تواصل معه ووعده بتكريم خاص في الجزائر، وكان الأمر كذلك إذ تم تكريمه بحضور سينمائيين عالميين على أنه آخر إفريقي وعربي مازال يصمم ملصقات الأفلام بالطريقة التقليدية أي عن طريق الرسم.

 والفنان الذي لم يفرط في شذرات الأمل يحاول في كل مرة أن يعرف بالثقافة العربية في الأوساط الأوروبية، حسب حديثه مع حقائق أونلاين، وهو الذي تمت دعوته إلى المهرجان العالمي لسينما حقوق المرأة حيث التقى  الممثل  العالمي" TONG PO" وتحادثا بخصوص مشروع سينمائي  وفق قوله.

والأقدار التي عبست كثيرا في وجهه ابتسمت له بعد أن أبكته ليتم تسجيل إسمه في القاموس العالمي للسينما العالمية "IMDB" كما تم تسجيل قصته الي جانب عمالقة السينما العالمية  في كتاب أصدرته مؤسسة هوليود العالمية.

 

 

 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.