الاقتصاد بين التهريب والإرهاب

يعاني الإقتصاد الوطني منذ مدة كبيرة من  ورم ينخر جسده وهو التهريب. لكن بعد الربيع العربي و بعد عمليات الإغتيال التي حصلت وبعد التفجيرات التي وقعت في الشعانبي أضيف إلى هذا الورم ورم أخر أخطر منه بكثير و هو الإرهاب. و ما يثير الرعب على أكثر من نطاق أن هذين الورمين في علاقة تكامل متواصلة إلى حد يومنا هذا .بدأ المهربون منذ عهد بن علي بتهريب بعض المواد الغذائية و بعض المحروقات حتى وصلوا بعد الثورة إلى تهريب السلاح و المتفجرات و السجائر التي تدر ربحا كبيرا مما خلق أثرياء جددا في تونس .

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية  في 28 نوفمبر من العام الماضي تقريرا مرعبا جدا بعنوان الحدود التونسية بين الإرهاب و التهريب. تضمن التقرير وصفا دقيقا للمناطق الحدودية للبلاد التونسية الليبية و الجزائرية .و يمثل التهريب بالنسبة لهذه المناطق شريان حياة و فيها تتم المتاجرة بعديد السلع .

الحدود الجزائرية  تشهد حركة كثيفة للتهريب و تتمثل في تجارة المحروقات (أكثر المواد إهتماما) كذلك السجائر و الكحول الفاخرة التي يقع بيعها للنزل في المناطق الساحلية أو يقع إعادة تصديرها إلى ليبيا ’ كذلك تجارة المخدرات و تجارة الأسلحة الخفيفة . أما من تونس إلى الجزائر فيقع تهريب المواد الغذائية ’ الخضار و الغلال ’ الملابس القديمة …

الحدود الليبية : بعد الثورة أصبح التهريب على الحدود الليبية يشهد نشاطا كثيفا . من تونس إلى ليبيا يقع تهريب الأسمدة الكيماوية و الكحول الفاخرة و المخدرات .أما من ليبيا إلى تونس فيقع تهريب المحروقات و المواد الإلكترونية  و السيارات التي يقع تفكيكها في تونس و من ثم بيعها و كذلك السجائر و الأسلحة الثقيلة و الخفيفة على حد السواء و كذلك المتفجرات و الألغام و القنابل اليدوية ( و لقد تم العثور على مخزن للأسلحة مهربة من ليبيا في مدينة مدنين  بتاريخ 17 جانفي 2013)

وللتهريب أثار كارثية على الإقتصاد التونسي فإضافة إلى أنه الداعم الرئيسي للإقتصاد الموازي و مساهمته الفعالة في تغيير سلوكيات الإستهلاك عند المواطن و تأثيره على الإنتاج التونسي فإنه يكبد الدولة خسائر فادحة سنويا و  قد أفاد المدير العام الجديد للديوانة عبد الرحمان الخشتالي أن الدولة تخسر سنويا أكثر من 500 مليار نتيجة عدم دفع السلع المهربة للأداءات و المعاليم الديوانية المطلوبة .و قد ساعد الفراغ الأمني و ضعف المراقبة بعد الثورة التهريب على الإنتشار و التوسع  فمثلا تم تحرير 4400 محضر في حق المهربين سنة 2012 مقابل 3650 محضرا سنة 2010.

و قد بلغت قيمة السلع المهربة في موفى ماي 2013 من المواد الغذائية حوالي 500 مليون دينار ،مواد كهرومنزلية 872 مليون دينار ،السجائر 4.7 مليار دينار و من خلال هذه الإحصائيات نستطيع أن  نقيم حجم الكارثة التي قد تعصف بالإقتصاد التونسي في حال تواصل هذا النزيف .

إلى جانب كل هذه المخاطرو الأثار السلبية  التي يولدها على الإقتصاد الوطني من تدمير للمنتوجات التونسية ,و تدعيم للإقتصاد الموازي ,و تغيير لسلوكيات الإستهلاك للمواطن التونسي و المساعدة على إنتشار المخدرات و الأسلحة  يعتببر التهريب من بين الداعمين الأساسيين للإرهاب حيث أصبحت  تونس ممرا للأسلحة الليبية .و لطالما كان التهريب و الإرهاب صنوين لا يفترقان خاصة في شمال إفريقيا فمسالك تهريب السجائر في صحراء الجزائرمثلا  يسيطر عليها أكبر إرهابيي المنطقة المكنى بالسيد مارلوبورو (مختار بلمختار) الذي كان مهربا قبل أن يكون إرهابيا .و لقد أكد السيد مراد الحطاب الخبير في المخاطر المالية أن الإرباك الذي حصل إبان العمليات الإرهابية في الشعانبي  قد كلف تونس أكثر من 4 مليارات دينار فيما سجل القطاع السياحي خسائر بقيمة 20 بالمائة من جملة إيراداته .و يؤكد الخبراء أنه في حال تواصل الوضع الغامض للإرهاب في تونس  سيتسبب في رحيل كثير من المستثمرين و عزوف آخرين كانت لهم نوايا للاستثمار في تونس .إلى جانب ذلك تسبب الإرهاب في عزوف المستثمرين عن التركز في المناطق الداخلية مثل القصرين و الكاف و جندوبة لتواجد المجموعات الإرهابية فيها .

التهريب و الإرهاب صنوان لا يفترقان ,علاقة تكامل و ترابط قديمة جدا تعاني منها دول شمال إفريقيا و لمقاومة الإرهاب يجب أولا مقاومة التهريب و لمقاومة التهريب يجب أولا مقاومة الفقر و التهميش في المناطق الحدودية و لقد نشرت مجموعة الأزمات (كرايزس جروب) في نهاية تقريرها جملة من الإقترحات للحد من ظاهرة التهريب و القضاء على الإرهاب و منها :

-إرساء مناطق تبادل حر في المناطق الحدودية للحد من أثار التهريب على الإقتصاد.

-بعث دورات تدريبية مشتركة بين الحرس و الجيش.

-تكثيف التعاون و التنسيق الأمني مع ليبيا و الجزائر و إقامة نقاط مراقبة مشتركة .

-التسريع في برامج التنمية خاصة بالنسبة للولايات الحدودية و محاولة التركيز على المناطق الحدودية .

-محاولة تقريب سكان الحدود من المشهد التونسي و محاولة إقناعهم بأهميتهم في بناء تونس .

-محاولة خلق أفاق جديدة و صلبة للإقتصاد و التعويل على القدرات التونسية  .

-دعم القدرة التنافسية للشركات و إرساء ميزانية محترمة للكوارث .

-تطوير المنظومة القانونية لعمل المصالح الديوانية .

–إرساء قاعدة قوية للإستعلامات و المخابرات لمراقبة أكثر للحدود  و لكن ذلك قد يكون صعبا جدا دون بناء جو جديد من الثقة مع أهالي الحدود .

يبقى الأمل قائما ببناء إقتصاد قوي يقوم على الخبرات التونسية و على دعم القدرة التنافسية للشركات التونسية و إيجاد حلول أخرى لجلب المستثمرين و لكن بقاء هذا الأمل مرهون ببداية معالجة الضواهر الفتاكة مثل التهريب و الإرهاب.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.