الإصلاحات الكبرى تضع الشاهد أمام خيارين أحلاهما قد يكلّفه عرش القصبة؟!

أمل الصامت –

يعكف رئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ انطلاق السنة الحالية تقريبا على إجراء العديد من المجالس الوزارية واللقاءات الرسمية وتنظيم الندوات الوطنية المتعلقة أساسا بالشأن الاقتصادي، آخرها ماراطون الندوات الذي شهده شهر أفريل الحالي إنطلاقا من ندوة تسريع تنفيذ برامج النجاعة الطاقية مرورا بالندوة الوطنية للاصلاحات الكبرى وصولا إلى الندوة الوطنية للصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.

ولئن لاقت الندوة الوطنية للاصلاحات الكبرى الرفض والمقاطعة من قبل ثلة من الأطراف السياسية والاجتماعية على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبرها “عملا موازيا” لعمل اللجنة الفنية المنبثقة عن وثيقة قرطاج، فإن تصورات الحكومة وبرامجها الاصلاحية المتعلقة بالإصلاح الجبائي والمالية العمومية ومنظومة الدعم والوظيفة العمومية التي أعلن عنها الشاهد كان لها الوقع والأثر الكبيران لدى الرأي العام لما لها من أهمية في الخروج بالبلاد من الوضع الاقتصادي الخانق الذي تعيشه في حال الانطلاق في تطبيقها.

هذا الموقف الداعم للشاهد واستراتيجية حكومة الوحدة الوطنية في العمل على النهوض بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي لتونس، لا يمكن تعميمه على جميع الأطراف مثلما سبق وأشرنا، بما يضع رئيس الحكومة اليوم أمام مفترق طرق كلها مليئة بالأشواك -إن صحّ التعبير- على اعتبار أن الانتقادات والتهم الموجهة إليه لم تعد حكرا على أحزاب المعارضة، بل حتى الموقعين على “وثيقة قرطاج” التي كانت بمثابة بوابة عبوره إلى قصر الحكومة بالقصبة، أصبحوا من أشرس مهاجميه.

الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي والقيام بالعمل الموازي لوثيقة قرطاج واعتماد مبدإ الإقصاء، جميعها اتهامات وجهها على التوالي كل من الجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل وحزب الاتحاد الوطني الحرّ لحكومة الوحدة الوطنية وبالأساس لشخص رئيسها الذي ما انفكّ يؤكد “مضيّه في الاصلاحات وأنها لا تملى عليه من أي طرف وأن ليس له أي مصلحة في ذلك سوى مصلحة تونس”.

الشاهد، الذي يواجه مؤخرا “نيرانا صديقة” بصفة تكاد تكون يومية ومع كل خطوة يقوم بها، أكد خلال ندوة الاصلاحات الكبرى، في رسالة مشفّرة لمنتقديه وعلى رأسهم اتحاد الشغل، أن “رؤية الحكومة الإصلاحية هي قبل كل شيء رؤية تشاركية وأن الطريق الأسلم للإصلاح هو الحوار مع كل الأطراف، وأن أياديه ممدودة للجميع وخاصة للشركاء الإجتماعيين، وهو ما يطرح التساؤل عما إذا كان الأهم اليوم الاصلاحات نفسها أم الإطار الذي تناقش فيه، خاصة وأن الحكومة غير ممثلة في اجتماعات اللجنة الفنية المنبثقة عن وثيقة قرطاج والتي تعكف على مناقشة نفس الملفات الموجودة في مشروع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للحكومة.

ولعل الغريب وسط كل هذا تموقع رئاسة الجمهورية -غير المبرّر- مكان المتفرّج، حتى وإن أوحى الاجتماع الأخير الذي أجراه قائد السبسي مع كل من الناصر والشاهد والطبوبي وماجول بعكس ذلك، إذ لم يصدر أي بلاغ أو تصريح رسمي يحمل موقفا واضحا تجاه ما تواجهه الحكومة من تصريحات وصلت إلى حد الدعوة إلى ضرورة تغييرها، في حين يشرف القصر على أعمال لجان منبثقة عن وثيقة كان من المفروض أن يكون الموقعون عليها حزام دعم لحكومة الوحدة الوطنية، لا يوجد فيها ممثل عن الحكومة، وكأن “كلُُّ يغني على ليلاه”.

الهجمات المتتالية من قبل المعارضين ومسك العصا من النصف من قبل الأصدقاء كلها عوامل تجعل الشاهد أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما ان يواصل في طريق الاصلاحات التي من شأنها الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، إن صدق في عدم خضوعها لإملاءات أو تبعية لجهات أجنبية، وقد يكلفه ذلك عرش القصبة، أو الخضوع لمبدإ التوافقات الذي وإن كان له دور في صناعة “النموذج التونسي” إلا أنه قد يكون مكبّلا للشاهد هذه المرة في سبيل المنصب، وعندها سيعيش مع صدى المثل القائل: “التاريخ لا يرحم”.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.