الأستاذ نادر الخماسي يجيب: “هل يعتبر القانون حوادث العمل عن بعد من قبيل حوادث الشغل؟”

بقلم الأستاذ نادر الخماسي: محام وباحث في القانون-

يعد العمل عن بعد أحد إفرازات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية فقد تطورت القطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية تطوراً ملحوظاً باعتمادها بشكل كبير على وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة.
ولعل أزمة ''فيروس كورونا" وما حملته من إجراءات وقائية تتمثل في الحد من الاكتظاظ و ضرورة التباعد بين الأفراد ساهمت بنسبة كبيرة في تطوير نظام العمل عن بعد.
وهو ما أدى بالمشرع التونسي إلى تأطير هذا النوع من العمل بالحد الأدنى المطلوب، حيث تم اصدار أمر رئاسي تحت عدد 310 لسنة 2022 مؤرخ في 5 افريل 2022 يتعلق بتنظيم العمل عن بعد لأعوان الدولة والجماعات المحلية والمنشأت والهيئات العمومية.

وعموماً يعرف نظام العمل عن بعد طبقا لهذا الأمر الرئاسي بأنه:" أسلوب يمكّن العون العمومي من أداء مهامه وواجباته المهنية خارج مقر عمله الأصلي المعين به وذلك باستخدام الوسائل الحديثة للاتصال."
كما جاء في قانون تحسين العمل عن بعد الأمريكي الصادر في 2010 بالمادة 6501 منه على أن : "مصطلح العمل عن بعد يشير إلى ترتيب عمل مرن يقوم خلاله الموظف بأداء واجباته ومسؤولياته الخاصة بمنصبه والمهام الموكولة إليه من موقع عمل موافق عليه يختلف عن موقع العمل المعتاد." 

هذا  قد عرف الفقه الفرنسي العمل عن بعد بأنه : "العمل الذي يعني استخدام العامل لتقنيات الاتصال والمعلومات التي تمكنه من أداء العمل سواء أكان مستقلا أو تابعا."
كما يعرف كل من ( Y.baruch and Ian Smith) العمل عن بعد بأنه : "أسلوب لأداء العمل حيث ينفذ العمل بشكل كامل أو في جزء كبير منه من موقع مفصول ماديا عن موقع صاحب العمل والذي يكون غالبا من المنزل" .

وفي نفس الاتجاه أيضا جاء بالاتفاق الإطاري الأوروبي الخاص بالعمل عن بعد الممضى بين الكنفدرالية الأوروبية للنقابات (CES) واتحاد الصناعات وأرباب العمل بأوروبا (UNICE) بمدينة بروكسل في 16 جويلية 2002، بأن العمل عن بعد: "هو شكل جديد من أشكال تنظيم العمل ….". 
هذا ويصنف العمل عن بعد إلى عمل عن بعد منتظم وعمل عن بعد ظرفي، وهو التصنيف الوارد بالأمر الرئاسي المؤرخ في 5 افريل 2022.

فبالنسبة للعمل المنتظم عن بعد فهو، تنظيم عمل يؤدي من خلاله العون العمومي مهامه وواجباته المهنية عن بعد بصفة منتظمة ومبرمجة مسبقا وفقا لإجراءات والتزامات موثقة وذلك بصفة كلية أو جزئية،
امّا بالنسبة للعمل الظرفي عن بعد فهو  تنظيم عمل يمارس من خلاله العون العمومي غير المتحصل على ترخيص للعمل المنتظم عن بعد واجباته المهنية عن بعد بصفة استثنائية تبعا لأحداث غير متوقعة. وفي هذا الإطار، لا تنطبق عليه شروط العمل المنتظم عن بعد.

وعموما فإن السؤال المطروح في هذا الإطار هو ما مدى اعتبار الحوادث التي تحصل في إطار نظام العمل عن بعد من قبيل حوادث الشغل؟  فهل يستحق الأجير الذي يتعرض لحادث بمنزله وهو مرتبط بعقد شغل عن بعد، التعويض؟.

لقد تم تنظيم حوادث الشغل والأمراض المهنية بموجب القانون عدد 28 المؤرخ في 21 فيفري 1994 والذي جاء به أنه : "يعتبر حادث شغل الحادث الحاصل بسبب الشغل أو بمناسبته لكل عامل عندما يكون في خدمة صاحب عمل أو أكثر، وذلك مهما كان سببه ومكان وقوعه.

ويعتبر حادث شغل أيضا الحادث الخاصل للعامل أثناء تنقله بين مكان شغله ومحل اقامته بشرط أن لا ينقطع مسيره او يتغير اتجاهه لسبب أملته مصلحته الشخصية أو لسبب لا صلة له بنشاطه المهني." 

ويستشف من عبارات هذا الفصل أن المشرع لم يحدد مكان العمل ذلك أنه لا يمكن حصر هذا المكان ضمن نطاق جغرافي معين، إلا أن فقه القضاء التونسي وضع معيار يكون من خلاله العامل في مكان وزمان العمل كلما وُجد تحت سلطة المؤجر في الرقابة والتوجيه، كما اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن العامل يكون بصدد العمل أينما وجد في علاقة تبعية تجاه المؤجر وهذه العلاقة تتخذ بعدين، من جهة سلطة يمنحها عقد الشغل لصاحب العمل في الرقابة والإشراف والتوجيه، ومن جهة أخرى إلتزام الأجير بالخضوع للأوامر والتعليمات الصادرة عن مؤجره.
وحيث أن العمل عن بعد في نهاية المطاف هو عقد شغل تتوفر فيه جميع الالتزامات المحمولة على كاهل المؤجر والأجير على حد السواء، فإن الحوادث التي تقع للأجير مهما كان مكانها أو زمانها حتى ولو كانت في منزله تكون من قبيل حوادث الشغل وينطبق عليها ما جاء بقانون 1994 وذلك بشرط أن يكون العامل زمن الحادث بصدد تنفيذ تعليمات مؤجره والتزاماته المهنية وليس تحقيقاً لمصلحة شخصية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.