اضاءات قانونية: سبل إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات اقتصادية

بقلم الأستاذ نادر الخماسي: محام وباحث في القانون-
 
تتمثل النزعة العلاجية لحماية النظام البنكي في مجموعة القواعد والإجراءات التي تهدف إلى تركيز نظام لإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات اقتصادية، وذلك بهدف مساعدتها لإسترجاع نشاطها في ظروف عادية.
 
ولقد جاء قانون جويلية 2016 بالباب السابع منه بعديد الإجراءات التي تهدف لمعالجة وضعية البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات إقتصادية، هذا وقد نص الفصل 99 من نفس القانون على أن "أحكام القانون العام في مجال معالجة الصعوبات والإنقاذ (المقصود هنا هو قانون الإجراءات الجماعية الموجود بالمجلة التجارية) لا ينطبق على البنوك والمؤسسات المالية المرخص لها في إطار هذا القانون".  
 
ويفهم من ذلك أن خصوصية النظام البنكي جعلت من المشرع يُحدث نظام إنقاذ خاص يختلف عن النظام الذي تخضع له بقية الشركات والمؤسسات الإقتصادية الأخرى. 
وعموماً يختلف التعامل مع المؤسسة البنكية أو المالية بإختلاف وضعيتها الإقتصادية فهناك وضعيات يمكن التعامل معها ومعالجتها من خلال آليات دقيقة ومضبوطة بينما هناك من الوضعيات الأخرى التي يستحيل التعامل معها وبالتالي إستحالة معالجة الوضع الإقتصادي للبنك أو للمؤسسة المالية.
 
إمكانية معالجة وضعية البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات إقتصادية 
-إخضاع البنوك والمؤسسات المالية للتدابير والبرامج التصحيحية 
-التدابير التصحيحية: وفقًا للفصلين 100 و101 من قانون جويلية 2016 يلتجئ البنك المركزي للتدابير التصحيحية إذا عاين:
-أن الوضعية المالية لبنك أو مؤسسة مالية تؤشر لإمكانية عدم إحترام قواعد التصرف الحذر
-طرق التصرف تهدد نجاعة التصرف المالي والتوازنات المالية للبنك أو المؤسسة المالية
وتكون التدابير التصحيحية إجبارية بالنسبة للبنك أو المؤسسة المالية وتشمل خاصة سياسات التصرف في المخاطر وتغطيتها لاسيما فيما يتعلق بملاءمة الأموال الذاتية والمدخرات وتوزيع الأرباح وبمنظومة الحوكمة والرقابة الداخلية.
 
هذا ومن واجب البنك أو المؤسسة المالية المعنية أن ترفع إلى محافظ البنك المركزي في أجل شهر من تاريخ الإعلام، مجمل التدابير أو خطط العمل مع بيان روزنامة وضعها طبقًا للشروط المستوجبة. 
 
-البرنامج التصحيحي:
وفقًا للفصل من قانون جويلية  2016 فإنه يمكن للبنك المركزي إخضاع البنك أو المؤسسة المالية المعنية إلى برنامج تصحيحي وذلك في الصور التالية: 
-عدم الإستجابة للتدابير التصحيحة وفقًا للفصلين 100 و101
-عدم تنفيذ التدابير التصحيحة الملتزم بها من قبل البنك أو المؤسسة المالية
-منظومة الحوكمة أو المراقبة الداخلية تشكو من إخلالات قد تهدد نجاعة التصرف المالي للبنك أو المؤسسة المالية 
-تدهور الوضعية المالية نتيجة عدم احترام قواعد التصرف الحذر
 
في هذا الإطار يمكن للبنك المركزي أن يوجه أمرًا لمجلس الإدارة أو المراقبة أو المساهمين يتضمن بعض الإجراءات اللاّزم تطبيقها من قبل المؤسسة المالية مثال "تكوين مدخرات إضافية أو مخصّصات أو الترفيع في رأس المال أو تعبئة أموال ذاتية تكميلية + تعليق كلي أو جزئي لمدة يحددها لأنشطتها المباشرة وغير المباشرة المتسببة في اختلال توازناتها المالية.
 
هذا ويمكن لمحافظ البنك المركزي كذلك أن يدعو المساهم المرجعي ( وهو كل مساهم أو كل تحالف للمساهمين بمقتضى اتفاق معلن بينهم يملك بصفة مباشرة أو غير مباشرة نسبة من رأس مال بنك أو مؤسسة مالية تمنحه أغلبية حقوق الإقتراع أو تمكنه من التحكم فيها) وأهم المساهمين (وهو كل مساهم يملك نسبة تساوي أو تفوق 10 بالمائة من رأس المال).
 
كما يمكن للبنك المركزي عند الإقتضاء وبعد سماع البنك أو المؤسسة المالية المعنية تحرير محضر في الغرض وإصدار مُقرر يقتضي بتعين متصرف وقتي ويكون ذلك لمدة سنة قابلة لتجديد مرة واحدة ويكون هذا التعيين على أساس معايير النزاهة والكفاءة العلمية والخبرة المهنية في المجال البنكي أو المالي والإستقلالية عن البنك أو المؤسسة المالية المعنيين. 
 
هذا ويحدد مقرر تعيين المتصرف الوقتي طبيعة المهمة ومدتها والواجبات المحمولة عليه تجاه البنك المركزي ويضبط أجرته والتي يتحملها البنك أو المؤسسة المالية المعنية. 
 
وعمومًا لا يمكن للمتصرف الوقتي القيام بأعمال من شأنها أن تُغير سياسات البنك أو المؤسسة المالية أو توازناتها ولا بشراء أو بيع أملاك عقارية وسندات مساهمة أو استثمار تخرج عن البرنامج التصحيحي إلا بموافقة مسبقة من البنك المركزي. 
 
أيضا على المتصرف الوقتي أن يكون في تواصل دائم مع البنك المركزي وذلك بأن يقوم بتقديم تقرير كل 3 أشهر يُبين فيها الأعمال التي أنجزها وكذلك تطور الحالة المالية للبنك أو للمؤسسة المالية.
 
*إخضاع البنوك والمؤسسات المالية لنظام الإنقاذ:
تخضع لنظام الإنقاذ على معنى الفصل 109 و110 من قانون جويلية 2016 البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة. ويعتبر البنك والمؤسسة المالية في وضعية تعثر إذا كانت الصعوبات التي تشكو منها قد تهدد ديمومتها وتعرض حقوق المودعين والدائنين للخسارة ومن ذلك مثلا أن: 
-التدابير التصحيحية أصبحت غير قابلة للتنفيذ أو لم تعد كافية لاستعادة التوازنات المالية للبنك أو للمؤسسة المالية 
-إنخفاض نسبة كفاية رأس المال إلى ما دون 50 بالمائة من النسبة الدنيا للأموال الذاتية الأساسية التي يحددها البنك المركزي
 
هذا وتهدف إجراءات الإنقاذ لتمكين البنك أو المؤسسة المالية من استرجاع نشاطها في ظروف عادية وعموما يتم افتتاح إجراءات إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة من قبل لجنة الإنقاذ التي تتكون من: 
*محافظ البنك المركزي أو من ينوبه رئيسًا
*قاض من الرتبة الثالثة عضو
*ممثل عن الوزارة المكلفة بالمالية برتبة مدير عام
*المدير العام لصندوق ضمان الودائع البنكية 
*رئيس هيئة السوق المالية 
 
هذا ويمكن للجنة الإنقاذ أن تقترح بعض الحلول والإجراءات كتعليق بعض حقوق المساهمين أو تكوين مدخرات إضافية أو مخصصات أو الترفيع في رأس المال أو تعبئة أموال ذاتية تكميلية. 
 
كما تقوم لجنة الإنقاذ عملاً بالفصل 125 بتعيين مفوض انقاذ يعمل على تنفيذ برنامج الإنقاذ وتسيير شؤون المؤسسة خلال مدة الإنقاذ ويتم تعيين هذا الأخير على أساس معايير النزاهة والكفاءة العلمية والخبرة المهنية في المجال البنكي والمالي والإستقلالية عن البنك أو المؤسسة المالية المتعثرة ويكون هذا التعيين لمدة سنة قابلة للتجديد مرتين.
 
2-إستحالة معالجة وضعية البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات إقتصادية: 
*ضرورة الحل وإعتماد إجراءات التصفية:
لقد جاء المشرع التونسي بثلاث صور يمكن على إثرهم الحكم بحل بنك أو مؤسسة مالية، وتتعلق الصورة الأولى بالوضعية التي يتعذر فيها انقاذ البنك أو المؤسسة المالية، أما الصورة الثانية فتخص الحالة التي يتم فيها سحب ترخيص البنك أو المؤسسة المالية نهائيا وأخيرًا تتعلق الصورة الثالثة بالوضعية التي يكون فيها البنك أو المؤسسة المالية في حالة توقف عن الدفع، هذا ويعتبر البنك أوالمؤسسة المالية في وضعية توقف عن الدفع إذا أصبح غير قادر على مجابهة ديونه التي حل أجلها بما لديه من سيولة أو موجودات قابلة للتسيل على المدى القصير وعاجزًا عن إيجاد مصادر التمويل. 
 
هذا ويكون الحكم بالحل والتصفية من المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها المقر الإجتماعي للبنك أو المؤسسة المالية وذلك على أساس تقرير من قبل لجنة الإنقاذ، كما يجب أن يتضمن هذا الحكم تاريخ التوقف عن الدفع وأن يتم نشره بالرائد الرسمي والسجل التجاري وجريدتين يوميتين إحداهما باللغة العربية، كما يتم إشهاره بواجهة المقر الإجتماعي للبنك أو المؤسسة المالية المعنية وبجميع وكالاتها وفروعها. 
 
هذا ويصاحب الحكم بالحل والتصفية ضرورة تعيين مصفي من قبل المحكمة وباقتراح من لجنة الإنقاذ وذلك في أجل أقصاه 6 أشهر من تاريخ صدور حكم بات في الحل والتصفية ويتم تعيين هذا الأخير لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد مرتين بنفس المدة وذلك على أساس الكفاءة والنزاهة والإستقلالية عن البنك أو المؤسسة المالية المعنية، هذا ويترتب عن قرار تعيين المصفي إحالة الصلاحيات اللازمة له لإنجاز عملية التصفية وإدارة البنك أو المؤسسة المالية كما يعتبر المصفي الممثل القانوني لدى الغير. 
 
هذا ويختص المصفي بجرد وإحصاء ممتلكات و موجودات البنك واتخاذ التدابير اللازمة لتصفية البنك ومنها خاصة "التفويت في كامل أو بعض عناصر الأصول والخصوم". 
 
*الأثار القانونية للحكم بالحل و التصفية:
عدم فقدان الشخصية المعنوية للبنك أو المؤسسة المالية وتواصلها لضرورة التصفية إلى حين ختمها
كما أن الحكم بالحل والتصفية لا ينهي مهام مراقب الحسابات، هذا ويتم إيقاف العمل بحقوق المساهمين باستثناء حقهم في المحصول الصافي المتأتي من تصفية المؤسسة.
 
كما تُحل ديون البنوك أو المؤسسة المالية وتعلق الإلتزامات الناجمة عن اي من العقود الجارية وكل الأعمال التنفيذية للأحكام الصادرة ضد البنك أو المؤسسة المالية. 
كما تبطل الأعمال المنجزة من قبل البنك أو المؤسسة المالية خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ معاينة التوقف عن الدفع وتاريخ الحكم بالحل أو التصفية مثال: 
-التبرعات والتفويتات دون عوض باستثناء الهدايا الزهيدة المعتادة
-دفع ديون لم يحل أجلها بأي وجوه الدفع
-توظيف رهن عقاري وترتيب توثقة على مكاسب البنك و المؤسسة المالية لضمان دين سابق عليه
 
وعمومًا يوزع محصول التصفية الصافي على جميع الدائنين الذين اختبرت ديونهم بعد طرح المبالغ التي سبق دفعها وذلك وفق الترتيب الذي جاء به الفصل 147 
هذا وقد أحدث المشرع آلية لحماية الدائنين المودعين أموالهم بالبنوك تتمثل في صندوق ضمان الودائع البنكية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.