ارتفاع واردات النفط الروسية إلى تونس والمغرب

ارتفعت خلال الشهرين الأخيرين واردات المغرب وتونس من المنتجات النفطية الروسية، مما فتح أمام موسكو باب "عوائد اقتصادية مهمة" بعد الحظر الأوروبي، وأثار مخاوف من تقويض العقوبات الغربية والالتفاف عليها، بعد "الارتفاع الطفيف" المسجل في صادرات البلدين المغاربيين من هذه المواد نحو أوروبا.

وأقر الاتحاد الأوروبي حظرا شاملا على المنتجات النفطية الروسية منذ بداية شهر فيفري الجاري، بالإضافة إلى إجراءات تحديد سقف أسعارها، ضمن تدابير تهدف إلى خفض عائدات موسكو الموجهة لتمويل حربها على أوكرانيا.

وقلصت الدول الأوروبية وارداتها من المواد النفطية المكررة القادمة من روسيا خلال الأشهر الموالية للغزو الروسي بعد أن كانت تمثل 60 بالمئة من وارداتها، وذلك في أعقاب عقوبات مماثلة على النفط الخام الروسي في ديسمبر.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن هذه العقوبات عملت إلى حد كبير على "النحو المنشود"، لكنها أجبرت موسكو على إعادة توجيه الصادرات بعيدا عن أوروبا في اتجاه أسواق بديلة، خاصة دول شمال إفريقيا.

ارتفاع واردات الرباط وتونس
وزادت واردات المغرب من الديزل الروسي إلى مليوني برميل شهر جانفي الماضي فقط، فيما لم تتجاوز خلال عام  2021 بأكمله 600 ألف برميل، مع توقع وصول ما لا يقل عن 1.2 مليون برميل أخرى إلى المملكة الشهر الجاري، وفقا لبيانات من شركة كبلر المتخصصة في تقديم بيانات استراتيجية لأسواق السلع، كما شهدت الجزائر ومصر ارتفاعا طفيفا أيضا في وارداتها.

وبالمثل، استوردت تونس ـ التي لم تستقبل تقريبا أي واردات من المنتجات النفطية المكررة خلال عام 2021 ـ كميات ضخمة من الإمدادات الروسية من الديزل والبنزين والنفثا – التي تستخدم في صناعة الكيماويات والبلاستيك. 

واستوردت تونس 2.8 مليون برميل من منتجات النفط الروسية في جانفي، ومن المتوقع أن تتوصل بـ 3.1 مليون برميل أخرى الشهر الجاري.

وتوفر موانئ شمال أفريقيا لروسيا "وجهة مثالية" لتفريغ شحنات الديزل وغيرها من المنتجات التي تم حظرها من الدول الغربية، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" التي أشارت إلى أن رحلات السفن الروسية من بحر البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط، أقصر نسبيا من رحلاتها السابقة إلى آسيا وأوروبا، ما يسمح لموسكو بالحفاظ على تكاليف شحن منخفضة خاصة مع محدودية أسطولها من الناقلات. 

ولفتت الصحيفة ذاتها إلى أن ارتفاع صادرات المنتجات النفطية الروسية إلى البلدان المغاربية يوفر لموسكو "تدفقا جديدا من الإيرادات"، بعدما أظهرت الصين والهند، اللتان أصبحتا أكبر مشتري لنفطها الخام، اهتماما أقل بمنتجاتها المكررة، مما دفعها إلى البحث عن مشترين جدد للديزل 

وتزامنت زيادة الواردات من المنتجات النفطية إلى تونس والمغرب، مع زيادة طفيفة في صادراتهما من المنتجات المكررة نحو أوروبا بحسب الصحيفة، مما أثار حفيظة مسؤولين أوروبيين من خلط الشحنات الروسية بمنتجات نفطية أخرى، وإعادة تصديرها إلى دول التكتل، الإجراء الذي من شأنه أن "يقوض العقوبات ومساعي التخلص من الوقود الأحفوري الروسي من اقتصاداتها، بشكل غير مباشر".

"سوق محررة"
الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، يؤكد أن المغرب يستورد جل حاجياته النفطية من السوق الخارجية، وبالتالي تبحث الشركات النفطية عن أقل الأسعار مهما كان مصدرها، لتكون مناسبة للسوق المغربية.

ويورد جدري في تصريح لموقع "الحرة"، أن سوق المحروقات بالمغرب "محرّرة، وليس الدولة التي تقوم باستيراد حاجياتها، بل شركات نفطية دولية ومحلية غير خاضعة للحكومة ولا يمكن لهذه الأخيرة التدخل في قراراتها وأن تفرض عليها من أين تستورد، حيث تبحث الشركات أساسا عن العروض الملائمة لتحقيق أرباح تجارية".

ويوضح المتحدث ذاته، أن الحظر والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، يلزم دول التكتل فقط، بالتالي الشركات التي تتعامل مع الجانب الروسي ملزمة باحترام القوانين المغربية وليس الأوروبية.

ويوضح المتحدث ذاته أن ارتفاع الواردات المغربية خلال الشهرين الماضيين "أمر عادي ومنطقي"، يرتبط بحالة السوق التي تعرض أسعارا منخفضة، خاصة أن البلاد التي لديها تبعية طاقية كبيرة للخارج.

"الحاجة الاقتصادية"
وبخصوص تخوف الأوروبيين من استيراد مواد فرضوا عليها عقوبات انطلاقا من صادراتهم من دول ثالثة، يبرز المتحدث أن بإمكان التكتل الإقليمي، أن يطلب من مورديه من تونس والمغرب عدم اعتماد المنتجات النفطية الروسية، لكنه يشير إلى أن "الأزمة الحالية عابرة"، والأهم بالنسبة للمغرب الحفاظ على القدرات الشرائية لمواطنيه.

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي التونسي، إسماعيل بن دويسة، أن هذه المخاوف يمكن أن تطرح بشكل أقوى مع الهند التي تأخذ كميات كبيرة من روسيا، وتستورد منها الدول الأوروبية البترول المكرر، فيما تبقى الكميات المستوردة من المغرب وتونس لـ"سد الحاجيات الداخلية، وليس للتصدير بشكل أساسي".

ويقول بن دويسة في تصريح لموقع "الحرة"، أن الارتفاع المسجل في واردات المنتجات النفطية الروسية بتونس خلال الشهرين الماضيين، يمكن قراءته على ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد، والمنحدرة أساسا من عجز الميزان التجاري.

ويشير المتحدث ذاته إلى أن التحول الحاصل خلال الأشهر الأخيرة يهدف إلى تنويع المصادر وتقليل التكلفة بتونس، مع انخفاض سعر البرميل الروسي مقارنة بالسوق العالمية.

ويوضح المحلل الاقتصادي أن الارتفاع الحاصل لا يعني أن هناك تغييرا حاصلا في الصناعات التحويلية بالبلاد، إنما يبقى خطوة لـ"تقليل التكلفة بالعملة الصعبة"، حيث تواجه تونس صعوبات في احتياطيات العملات الأجنبية.

موقع الحرة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.