إلغاء العبودية بين الأسبقية التاريخية والترسبات المترسخة في الموروث التونسي

مالك الزغدودي-

شهر جانفي الفارق في التاريخ التونسي، شهد سن أحد أهم القوانين ففي 23 من ذات الشهر سنة 1846 تم منع الرق و العبودية من أحمد باشا باي في جميع ربوع البلاد التونسية.

وكان هذا القانون سابقا في سياقه الحضاري والجغرافي لبعض الدول الأوروبية، وهو ما حاجج به الرئيس الأمريكي ابراهام لينكون فيما بعد مجلس الشيوخ الأمريكي بغية إقناعهم بضرورة عتق العبيد ومنع تجارة الرق استأناسا بالتجربة التونسية عن طريق رسالة من الجنرال حسين هي شاهدة على الحادثة إلى اليوم و متاحة للعموم.

رغم هذه الأسبقية الزمانية نسبيا فقد قوبل القانون بالرفض أحيانا والتململ في أحيان أخرى من تجار العبيد خاصة وكبار الفلاحين الذين كانوا يستغلون العبيد في أعمال الزراعة الشاقة خاصة، ورفض بعض المعتوقين مغادرة منازل أسيادهم نظرا لعدة اعتبارات مثلا أنهم لم يألفوا هذه الحالة الجديدة ولم يتقن مهنا أخرى غير تلك التى يشتغلونها في منازل السادة.

لكن هذه الظواهر التى تحدث بعد كل حالة تثوير للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ليست حالة تونسية خاصة ولم تقتصر على قانون منع الرق والعبودية فقد طبقت قوانين أخرى مرحليا على المستوى الشعبي كقوانين مجلة الأحوال الشخصية في مرحلة أخرى من التاريخ التونسي، مثال فصل منع تعدد الزوجات.

بتقدم التاريخ ونشوء علاقات اجتماعية جديدة قائمة على المساواة والمواطنة خاصة بعد الثورة هناك بعض الرواسب في عاداتنا ومورثنا الثقافي تسكن ذلك الركن المظلم من الرواسب السيئة وغير الحميدة في عقولنا تطفو على السطح بين الفينة والأخرى.

يجب في البداية رفع الخلط حول فكرة أن الاسترقاق يتعلق بأصحاب البشرة الداكنة فقط، ففي تونس كان هناك ما يسمى بالرق الأبيض و منهم مشاهير كثيرون في التاريخ التونسي أمثال خير الدين التونسي و مصطفي خزندار الذين بيعوا  كمماليك قبل أن يعتقوا و يتدرجوا في سلم السلطة حتى بلغوا أعلى مراتبها.

بالعودة الآن إلى تلك الرواسب حتى بعد مرور أكثر من قرن ونصف على تاريخ صدور القانون، لا يحتاج الأمر كثيرا حتى تعترضك في أحد الشوارع ملصقات لإعلانات كراء مخصصة للطلبة الأفارقة فقط أو تستثنيهم من حقهم في الكراء دون أي وجه قانوني للمسألة .

وينعت الطلبة القادمون من جنوب الصحراء وهم جالية كبيرة نسبيا في تونس بالإفريقيين وكأن سكان تونس يقطنون في قارة أخرى، وقد عبر المنسق العام لجامعة الطلبة الجنوب صحراويين بتونس عن جملة من المضايقات التى يتعرضون لها في أحد مدخلاته التلفزية وقد نظموا وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي أوائل السنة الفارطة تنديدا بالإعتداء الذي تعرضت له أحد الطلبات.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.