عبد السلام الهرشي –
دعت منظمة الصحة العالمية في مناسبات عدة دول العالم المنتجة لللقاحات إلى التنازل عن براءات الإختراع الخاصة بالتلاقيح وذلك من أجل السماح لدول العالم بإنتاج الللقاحات وبالتالي السيطرة على الفيروس في أقل وقت ممكن.
دعوة منظمة الصحة العالمية هذه تأتي بعد "الخلل الصادم" الذي عاينته وأعلنت عنه في توزيع اللقاحات بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة، حيث تلقى شخص واحد من كل أربعة أشخاص تلقيحا في الدول الغنية وتتراجع هذه النسبة كثيرا في الدول الفقيرة لتصل إلى شخص من كل 500 شخص تلقوا لقاحا، وهو ما يعني أن 0.2% فقط من اللقاحات من أصل أول مليار جرعة تم إنتاجها ذهبت إلى شعوب العالم النامي.
وفي موقف إستثنائي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها تؤيد "التنازل عن براءات الإختراع" الخاصة بالتلاقيح ضد فيروس كوفيد 19 وذلك لإعطاء الدول الفقيرة فرصا أكبر لمكافحة الفيروس كما جاء على لسان ممثلة التجارة الأميركية "كاثرين تاي". وهو إعلان جوبه بإنتقادات واسعة من مصنعي الدواء الأميركيين حيث قال الإتحاد الدولي للمصنعين والجمعيات الصيدلانية إن قرار بايدن مخيب للآمال.
ومن جانب أخر قوبلت دعوة منظمة الصحة العالمية برفض سويسري وتحفظ ألماني وإنفتاح روسي. هذا الوضع يضع المديرة العامة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا ومدير منظمة الصحة العالمية في مهمة صعبة تتمثل في دفع النقاشات داخل منظمة التجارة للوصول إلى إقتراح التنازل عن براءات الإختراع الذي يعتبر أصلا خرقا لقواعد التجارة العالمية.
والوصول إلى المنطقة غير المريحة وذلك بالإختيار بين العائدات المالية الضخمة التي من الممكن أن تجنيها الشركات من بيع اللقاحات وإنقاذ العالم من فيروس كوفيد 19، يدفعنا إلى التفكير في سيناريو مرعب، حيث أعلنت أغلب الشركات المصنعة للتلاقيح أن اللقاح ضد فيروس كوفيد 19 يعطي مناعة تدوم لفترة 6 أشهر وبعد هذه الفترة من الممكن أن يصاب الشخص الذي تلقى الجرعات مرة أخرى، فلو إفترضنا أن جميع سكان الدول المتقدمة قد تم تطعيمهم فهذا يجعلهم في مواجهة خطر الإصابة بعد 6 أشهر ما يعني أنه بمجرد فتح الحدود فإن تسرب أي شخص مصاب قد يتسبب في بؤرة إصابة بسرعة، وهو مايجعل العالم في مواجهة خطر متواصل لا يمكن مقاومته إلا بتوزيع اللقاحات بشكل متوازي وسريع وفي كل دول العالم.
إلى وقت كتابة هذه الأسطر وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 22.6% من سكان العالم قد تلقوا التطعيم، وتم توزيع حوالي 2.8 مليار جرعة منذ بداية التصنيع ويتم الآن تصنيع ما يقارب 41.2 مليون جرعة يوميا، لكن المؤسف أن 0.9% فقط من سكان الدول الفقيرة قد تلقوا جرعة واحدة على الأقل وهو نسق ضعيف من الممكن أن يمدد فترة الحرب على الفيروس لسنوات أخرى.
في المقابل وفي بداية شهر ماي من هذا العام أعلنت شركة صناعة الأدوية عن الإفصاحات المالية للربع الأول من هذا العام، حيث حققت الشركة إرتفاعا في الإيرادات بنسبة 70% ووصلت إيراداتها الجملية إلى 14.6 مليار دولار (40.27 مليار دينار) فيما حققت عائدات بقيمة 3.5 مليار دولار (9.65 مليار دينار) من بيع التلاقيح المضادة لفيروس كوفيد 19 وتتوقع الشركة حسب البيانات التي نشرتها على موقعها أن تصل قيمة العائدات من بيع التلاقيح حوالي 26 مليار دولار (71.72 مليار دينار) مع موفى هذا العام.
كما حققت شركة أسترازينيكا أرباحا بقيمة 1.63 مليار دولار (4.5 مليار دينار) خلال الربع الأول من هذا العام، وحققت إيرادات تقدر بحوالي 275 مليون دولار (758 مليون دينار) من عمليات ببيع لقاح أسترازينكا رغم الجدل الذي أثير حوله حول تسببه في تجلط الدم. فيما حققت شركة موديرنا المصنعة للقاح موديرنا إيرادات بحجم 1.9 مليار دولار (5.24 مليار دولار) بزيادة قدرها 8 ملايين دولار (22 مليون دينار) مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وعزت موديرنا نمو الإيرادات هذا إلى المبيعات التجارية للقاح كوفيد 19 وتتوقع الشركة أن ترتفع مبيعات لقاح موديرنا لوحده إلى مليار دولار ( 2.7 مليار دينار) في موفى هذا العام.
مليارات الدولارات تحققها الشركات المصنعة للقاحات في العالم، كما أن أغلبها قد رفع سقف توقعاته للعائدات الممكن تحصيلها في موفى هذا العام، لكن من الجانب الآخر لاتزال أغلب الدول في العالم تعاني من تفشي الفيروس الذي أجبرها إلى العودة إلى إجراءات الإغلاق والحجر الصحي الشامل، فكم سيكلف بطء وصول التلاقيح إلى كل شخص في العالم الإقتصاد العالمي مقارنة بأرباح بعض الشركات، وكما نقطة ستضاف في معدلات الفقر بالنسبة للدول الفقيرة وكم خطوة ستضاف في مجال التبعية وعدم التوازن بين دول العالم الذي يعتبره الرئيس الأميركي "تهديدا كبيرا للديمقراطية". يمكن أن يكون أي مواطن من مواطني الدول الأوروبية وشمال أميركا قد تمكن من الحصول على التطعيم لكنه سيظل متخوفا من الفيروس مادام هناك مواطنون مصابون في مكان من العالم.