أيام قرطاج السينمائية: ميرا شعيب تعرّي الواقع اللبناني دون “روتوش” في فيلم”أرزة”

“أرزة” فيلم لبناني يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لأيام قرطاج السينمائية في دورتها الخامسة والثلاثين، الفيلم من تأليف فيصل شعيب ولؤي خريسو وإخراج ميرا شعيب.
يروي الفيلم على مدار تسعين دقيقة حكايات عن لبنان وشعبه وشوارعه وانقساماته الطائفية وعن ثورة تشرين/أكتوبر 2019 ـ 2021 من خلال قصة بسيطة لأم لبنانية تدعى “أرزة” (دياموند أبو عبود) تخلى عنها زوجها لتجد نفسها مسؤولة عن ابنها الوحيد كنان (بلال الحموي) وشقيقتها ليلى (بيتي توتل)، تكافح أرزة من أجل توفير لقمة العيش في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة تمر بها بلادها، فتعمل على إعداد فطائر السبانخ في حين يقوم ابنها بإيصال الطلبات لزبائنها، أما شقيقتها ليلى فترفض مغادرة المنزل على أمل عودة حبيبها “زين” المفقود منذ زمن الحرب الأهلية.
أمام تردي الأوضاع تحاول أرزة تحسين دخل العائلة فتضطر إلى سرقة إسوارة شقيقتها وتشتري دراجة نارية بالتقسيط لإيصال الطلبات بسرعة، وتبرز لنا كاميرا ميرا شعيب الفرحة التي غمرت العائلة بمجرد حصولهم على الدراجة المستعملة التي تعدّ أمرا بسيطا في قيمتها لكنها كانت الأمل بالنسبة لهذه الأسرة للخروج من بوتقة الفقر، لكن هذه السعادة لم تستمر كثيرا حيث يذهب الابن كنان للاحتفال بعيد ميلاده مع أصدقائه وحبيبته فتسرق الدراجة لتبدأ رحلة أرزة في البحث عنها وتنطلق أحداث الفيلم.
رحلة بحث رصدت خلالها ميرا شعيب شوارع بيروت وأنهجها ومنازلها المتواضعة بكل أمانة ومصداقية ودون تلميع، كما حاولت إظهار الدفء العائلي داخل كل أسرة لبنانية من خلال اللحمة بين أفراد عائلة أرزة رغم اختلافهم الفكري واختلاف طموحاتهم وأهدافهم، فأرزة هدفها الوحيد العثور على الدراجة النارية وتوسيع مجال عملها في حين يحلم ابنها بالهجرة والتخلص من حياة الخصاصة والزواج بحبيبته أما ليلى فتعيش في عالم هلامي لا يشغل تفكيرها سوى حبيبها، لكن ورغم كل هذه التناقضات فإن هذه العائلة لا تتخلى عن بعضها البعض في أشدّ المحن.
فيلم “أرزة” ولئن كان مقتبسا عن الفيلم الايطالي “سارق الدراجة” (1948) للمخرج فيتوريو دي سيكا، فإنه كان في تفاصيله لبنانيا مائة بالمائة، يروي قصة لبنان الذي أرهقته الطائفية ويحاول التخلص منها وتوحيد شعبه وذلك من خلال قصة المرأة اللبنانية المناضلة التي لا تنتمي لأي مذهب أو طائفة المرأة الأم التي تسعى إلى لمّ شمل عائلتها، لنتبيّن في النهاية أن أرزة البطلة ما هي إلاّ لبنان الذي أشقاه الانقسام هو بلد الأرز الحالم بتغيير واقعه البائس.
تتجول أرزة في شوارع بيروت بحثا عن الدراجة النارية حاملة في يدها علبة من فطائر السبانخ توزعها على كل من يساعدها، في رحلة بحثها تضطر أرزة للتعامل مع اللبنانين وفق طوائفهم فتراها ترتدي الحجاب وتطلق على ابنها اسم عمر حين تلتقي بالسنة ثم يرتدي ابنها كنان سلسال ذو الفقار حين يلتقيان بالشيعة ويصبح كنان “علي”، ثم سرعان ما يتحول إلى “جون بول” حين يلتقيان بالمسيحيين ويغيّران السيف بالصليب، وتتواصل رحلة البحث ويلتقيان بالدورز والمارونيين وصولا إلى الفلسطينيين بمخيم شتيلا، في المقابل لا تغيّر أرزة إسمها الرامز الى لبنان مع العلم وأن البطلة لا تكشف عن انتمائها الطائفي طيلة الفيلم، مشاهد ساخرة تقدمها ميرا شعيب بكوميديا سوداء قصد تسليط الضوء على أزمة الطائفية التي تنخر المجتمع اللبناني.
ومن الأزمة الطائفية، تنتقل المخرجة الى الأزمة السياسية وثورة تشرين من خلال قصة حبيبة كنان المتمردة والثائرة التي تشارك في المظاهرات الشبابية، كما تعرّج ميرا شعيب على مشكلة المجتمع الذكوري الذي لا يعترف بالمرأة المكافحة وهو ما جاء على لسان أحد اللبنانين ” لا تثق في مرا دون رجّال”، دون أن تتغاضى عن الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية مقارنة بالدولار الأمريكي..
تفاصيل درامية منحتها المخرجة مسحة كوميدية لتبين شقاء بلد اسمه لبنان
البحث عن دراجة نارية مفقودة ماهو إلا بحث عن الذات وعن وطن مفقود بكل تناقضاته ومعاناته، بلد يرزح تحت عديد الصعوبات التي تأزمت وتفاقمت مع وجود الطائفية، ليقف المشاهد أمام عديد التساؤلات أهمها هل أن مشكلة لبنان اليوم اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية أم طائفية؟
يظهر المشهد الأخير من فيلم “أرزة” البطلة وابنها على الدراجة النارية بعد العثور عليها يجوبان شوارع بيروت ويمران بمسيرة شبابية رفع خلالها العلم اللبناني ولعله مشهد يلخص الأمل والرغبة في التحرّر ورؤية لبنان دون انقسامات.
بسلاسة في الطرح وبساطة في السرد وكثير من الواقعية، تمكنت ميرا شعيّب من وضع إصبعها على الداء وتعرية الواقع اللبناني دون “روتوش”.
(سناء الماجري – الجمهورية)

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.