“أنا وظلاّل”.. أو حديث الانسانية المنسيّة

  أمل الصامت –

"حديث الكوفيد.. أنا وظلاّل".. أو الوجه الآخر لفترة الحجر الصحي الشامل في تونس، وكل فترات الأزمات التي قد يمر بها سكان تلك المناطق المنسية الملغية من حسابات القادة والساسة.

"أنا وظلال".. لعله بالنسبة للبعض مجرد كتاب خرج من رحم دار نشره للعلن ذات 10 ديسمبر 2020، إلا أن في تاريخ ولادته دلالة، لربما تعمد كاتبه كتمان آلام المخاض إلى حين مجيئه، إذ يتزامن مع الاحتفاء بالاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تتبناه تونس "مع وقف التنفيذ".

"أنا وظلال".. أو هو "نحن والانسان".. فليس ظلال مجرد ضمير أو رفيق داخلي للكاتب الشاب برهان اليحياوي، بقدر ما هو الانسان في داخل كل منا.. ذلك الانسان التواق إلى الحياة الباحث عن العدالة وسط وجوه الموت المتعددة ومظاهر الظلم المتخلدة في مجتمعاتنا العربية، وهو ما قد يثبته الكتاب الصادر عن دار "زينب للنشر" على امتداد 120 صفحة.

فظلاّل الذي بعث على صوت مقدمة الأخبار واحترق على صوتها ليس إلا ذواتنا التي تولد بريئة وتشتعل مع كل لحظة نجبر فيها على مواجهة المآسي والآلام سواء تلك التي قد نعيشها نحن أو يعيشها آخرون.. وكأن "ربّ" ظلاّل مؤمن بنظرية جون جاك روسو القائمة على أن الانسان خيّر بطبعه طالما كان بمنأى عن فساد النظام الطبقي الذي يفرضه المجتمع وما ينطوي عليه من ظلم وجشع.

وليس في مدينة القصرين ومناطقها الريفية المعلقة على تخوم الجبال الغارقة منذ أزمنة قريبة بعيدة في ظلمات الارهاب والموت والفقر والتهميش، أكثر من الظلم والجشع الذي يقتل في ساكنيها كل يوم شيئا من انسانيتهم مهما كانت مستوياتهم الثقافية وانتماءاتهم الفكرية.. فكاتب "أنا وظلاّل" صحفي عايش مئات قصص المنسيين من أبناء جهته وواجه العديد من حكايا المآسي، ولكنه اختار أن يكون مرفوقا بظلاّله هذه المرة ليقص علينا يومياته خلال فترة الحجر الصحي الشامل الذي عاشته تونس طيلة 42 يوما خلال الموجة الأولى لفيروس كورونا في البلاد وكل العالم.

ولم تكن ليوميات برهان اليحياوي الصحفي أن تكون استثنائية لولا ظلّال الذي خلق شيئا من التوازن المبني على التناقضات.. هي ثنائيات بسيطة في شكلها عميقة في مضمونها.. وما الحياة والموت إلا أحد عناوينها الرئيسية.

و"ظلاّل" الذي رافق الكاتب من البداية وحتى النهاية ساعده على استرجاع أحداث عايشها وواكبها في القصرين علاقتها الوحيدة بيوميات الحجر الشامل هو إثبات أنه بكورونا أو من غيرها هناك فيروس واحد يفتك بأبناء الجهة منذ عقود من الزمن، هو الظلم والنسيان رغم جميع قصص التاريخ الملتصقة بكل شبر من المكان، والتي لم ينس الكاتب استحضارها في أغلب ما حبره من احداث ووقائع عايشها ذات ربيع 2020.

وككل انسان يبحث عن "السلام" انتهت يوميات "أنا وظلاّل" وحكايا القصرين والعديد من المناطق المنسية داخل هذا البلد الظالم ساسته، وظلاّل وربّه لا ينشدان غير "السلام" في عالم تحكمه الأنانية وللاانسانية حتى في أحلك الفترات وأمام أصعب الامتحانات.. وكم تمنيت أن يعنون الكاتب كتابه بـ"حديث الانسانية المنسية.. انا وظلال" بدل "حديث الكوفيد" فالفيروس ذاهب لا محالة، اما الانسانية فستبقى في بلداننا الظالم قادتها منسية إلى الأبد.

باختصار "أنا وظلاّل" كتاب يستحق القراءة…

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.