“أنا شيرين أبو عاقلة”.. وداعا للصحفية المثقلة بهموم الإنسان

 يسرى الشيخاوي

وهي ترتدي سترتها الواقية التي توشحت بعبارة "press" (صحافة باللغة العربية) سمت روح الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة إلى العلياء بعد أن تلقت رصاصة من  جيش الاحتلال طالت رأسها..

جسدها المستسلم إلى الارتخاء وشعرها المسجد على وجهها وقد خضبته دماء استدرتها الرصاصة الصادرة وأحدهم يحاول نقلها من مكان الإصابة تعجز كل دموع العالم عن إطفاء نيران الوجع التي يخلفها فيك..

انهيار زملاء  الميدان في مستشفى ابن سينا، هو الآخر مشهد لن يغادر الذاكرة، وصوت أحدهم يردد "ابكي"،  وتختلط الغمغمات وصرخات الوجع التي تعلن رفض فشل محاولة إنعاش الصحفية التي قالت ذات يوم " لن أنسى يوما حجم الدمار ولا أن الموت كان على مسافة قريبة"..

ولن ننسى يا شيرين أنك كنت صحفية بحجم الحياة.. لن ننسى يا شيرين صوتك ووقفتك ومراسلاتك وتأثرك الذي يتجلى بين السطور.. لن ننسى مهنيتك وإنسانيتك.. ولن ننسى أنك توقعت أن تموتي وأنت ترتدين سترة الصحافة.

لن ننسى يا شيرين أنك قبل أن تغادري  بأنك كنت ستستعدين لرسم ملامح تغطيتك لاقتحام مخيم جنين ولكن الموت رسم ملامح الحزن لرحيلك الموجع والمربك، لن ننسى أن صورة الأحداث التي كنا ننتظرها في مراسلاتك صارت صورة واحدة عنوانها الوداع الأخير لصحفية لن تتكرر..

"قوات الاحتلال تقتحم جنين وتحاصر منزلا في حي الجبريات في الطريق إلى هناك أوافيكم بالخبر فور اتضاح الصورة"، على الساعة السادسة وثلاث عشرة دقيقة أرسلت شيرين أبو عاقلة هذا الايميل إلى قناة الجزيرة ووافاها الموت وأصبحت هي الصورة التي تعكس بشاعة الاحتلال..

لاشيرين ولا من تلقى الرسالة ولا زميلها الصحفي  "تامر المسحال" الذي نعاها توقع أن استشهادها سيكون الخبر التالي ولكن الأكيد أن التاريخ سيخلّد هذه الإنسانة التي ما تكلمت إلا وتركت أثرا يجد طريقه إلى القلوب قبل العقول.

" لن أنسى يوما حجم الدمار ولا أن الموت كان على مسافة قريبة.. لم نكن نرى بيوتنا.. كنا نحمل الكاميرات ونتنقل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة.. كنا نبيت في مستشفيات وعند أناس لم نعرفهم.. ورغم الخطر كنا نصر على مواصلة العمل.. كان ذلك خلال عام 2002 حينما تعرضت الضفة الغربية إلى اجتياح لم تعده منذ احتلال عام 1967، في اللحظات الصعبة تغلبت على الخوف.. فقد اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان.. ليس سهلا ربما أن أغير الواقع.. لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم"، هذه العبارات تختزل بعضا من فلسفة الشهيدة في مجال الصحافة، وفق ما ورد في فيديو نشرته قناة الجزيرة بصوتها وصورتها.

"من مخيم الصمود هاي شيرين يا أسود".. "من مخيم الاحرار هاي شيرين يا ثوار"..   "شيلو الشهيد على الكتوف خلي كل العالم يشوف"، كلمات ترددت في تشييع جنازة شهيدة الكلمة والصورة شيرين أبو عاقلة، شيرين التي حضرت جنازات كثيرة تحمل اليوم على الأكتاف في جنازة يبكي لها القلب.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.