“أغاني التونسيات من خلال مرددات نساء بلدة الكنائس”.. في ثنايا حكايات لا تعترف بالنسيان

يسرى الشيخاوي-

"أغاني التونسيات من خلال مرددات نساء بلدة الكنائس"، كتاب صادر عن دار الكتب الوطنية، من جمع وتحقيق الصحفية والباحثة سلمى الجلاصي وتصدير الباحثة رجاء بن سلامة، كتاب يتماهى فيه الفني والحسي والإنساني.
وانت تلاحق الحروف في صفحاته الـ284، تحيا في ثنايا حكايات لا تعترف بالنسيان وتتجلى التجربة الإنسانية في تلك اللقاءات التي جمعت البلحثة سلمى الجلاصي بمردّدات الأغاني في منطقة الكنائس، لقاءات لا تخضع لتصنيفات ولا تستوعبها الاطر. 
أما عن التجربة الفنية فتتهادى في تفرعات الأغاني التي تردّدها النساء في منطقة الكنائس، البلدة الصغيرة التي تقع في مدينة مساكن، البلدة التي لا تستسلم أصوات نسائها لحد ولا قيد، فيما تتشارط الباحثة والقارئ في بعض من التجربة الحسية فعلى إيقاع كلمات الأغاني ترقص كل حواسك  حتى أنك تسمع أصوات المرددات وتستنشق رائحة البخور ويراود طعم الحلوى لسانك وتغمض عينيك فيرتسم فيهما الحلي وكل زينة الأفراح.
ومنذ ان تقع عينيك على صورة الغلاف التي اهداها الفنان ماجد ظليلة إلى المكتبة الوطنية وكانت زينة الغلاف، تغوص في عالم ملؤه الحياة والالوان والحكايا التي تمس تفاصيل كثيرة.
رحلة في عوالم لا ولي فيها ولا سيد إلا المرأة، هي تصورات الكاتبة النسوية توشّح تفاصيل الكتاب الذي نسجت سلمى الجلاصي ملامحه انطلاقا من بحث علمي لنيل الماجستير في اختصاص الدراسات الجندرية. 
ولأنها متشبثة دوما بأصولها، أصولها التي تتخذها بوصلة في كل خطوة، عادت إلى الأصل إلى منطقة الكنائس حيث ملأت ذاتها بأصوات النساء منذ كانت طفلة، شدّت الرحال إلى أهلها وشرعت في جمع الأغاني لتخضعها إلى دراسة من منظور النوع الاجتماعي.
ومن أفواه النسوة اللاتي بلغن من الكبر عتيا استدرت كلمات الأغاني، وجابت المنازل في بلدتها تلاحق طريقة نطق الكلمات وتقارن بين المنطوق والآخر وتنشد المزيد من الكلمات والاغاني.
ومن وهب أذنه ووجدانه إلى هذه الأصوات الموشّحة بعبق الماضي الجميل وبأسرار لا ترضخ إلى البوح، يظل يبحث عن المزيد ولكن هي إكراهات البحث وضيق الوقت تقطع عليك أحيانا لحظات النشوة لينقطع مدادها عند نقطة ما.. 
عمل ميداني دام أكثر من عشرة أشهر، تمكنت فيه الباحثة سلمى الجلاصي من جمع ما يزيد عن المائة وعشرين أغنية في أغراض ومناسبات مختلفة، وخلصت إلى كتاب بوصلته حفظ التراث اللامادي والذاكرة الجماعية. 
هذا البحث الذي شاءت إرادة سلمى الجلاصي وإيمان رجاء بن سلامة بها ان يتحوّل إلى كتاب، يصوّر وجها آخر للمرأة، المرأة الفاعلة ثقافيا واجتماعيا، المرأة التي افتكّت مكانتها بنفسها. 
هو سفر في الذاكرة الشفوية التي آوتها المرأة في بلدة الكنائس، البلدة التي تتامل في اسمها فتراه جمعا لكنيسة، البلدة التي تحيط بها هلة من السكينة والعمق، البلدة التي تتسلل فيها الترانيم من كل صوب. 
في أصوات نساء حفظن التاريخ في دواخلهن، كانت الاغاني تعبيرات عن الوجع والثورة وفراق والفرح وكل المساعر التي تتألف منها الحياة، وفيها نقبت سلمى الجلاصي عن معاني الذاكرة وونبشت في أعماق ذوات لن تتكرر وذوات لا تفنى. 
أغاني الوجد والعشق والغناء الأخضر وأغاني واهازيج الأفراح والأعراس وأغاني الصالحي او الطواحي وأغاني الهزل وأغاني النخان وأغاني الحكمة أو الوعظ والأغاني التسجيلية وأغاني الاستسقاء أو طلب الأمطار وأغاني العمل، هذه هي العناوين التي بوبت بها سلمى الجلاصي أغانيها وهي التي أوجدت طريقا ثالثة بين الذاتية والموضوعية في تعاملها مع موضوع ولد من رحم بلدتها.
حكايات قادمة من الماضي، أساسها تفاصيل فارقة في حياة نساء خبرن الحب والفراق والفرح بكل تلويناتها، حكايات انتهت في زمن ما ولكن أصوات النساء تحييها في كل مرة وما دونته الجلاصي سيجعلها حيّة إلى الأبد.
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.