آفاق الوضع السياسي وسط حرب الخلافة

بقلم: أحمد وسيم العيفة

نهضت تونس على أخبار مؤامرة انقلابية تحركها أياد خارجية ، هكذا اختارت الصحف والقنوات العالمية والعربية عناوينها وهي تصف قصة صعود رجل امن من على رأس وزارة الداخلية نحو رئاسة الجمهورية التونسية. وما زاد الطين بلة، أن هذه الأيادي الخارجية هي دول عربية شقيقة قيل ان الانتقال الديمقراطي التونسي يقلقها ومشاركة الإسلاميين كطرف قوي في السلطة يمثل عبئا ثقيلا عليها.

لقد وصل الصحفي الفرنسي الأراضي التونسية ليقوم بسلسلة من الزيارات مع مجموعة من الصحفيين والمدونين التونسيين . وكان الوزير التونسي يتابعه عبر رجال الأمن  ثم غادر لينشر مقالا مقلقا وخبيثا يعكر صفو الحياة السياسية الديمقراطية في تونس.

في هذا التوقيت بالذات، ومع بلدان عربية توجد علاقات سياسية بيننا وبينها، لماذا يتم العمل على توتير الأجواء بالحديث عن إحدى أسوء السيناريوهات التي يمكن ان يعيشها وطن هو بصدد بناء ديمقراطية فيها من الحرية والتعايش الشيء الكبير، فدولة الإمارات التي يتحدثون عن ربطها لعلاقات كبرى في الأوساط السياسية التونسية، ودولة السعودية التي منحت اللجوء للرئيس السابق بن علي واستقبلت الوزير الحالي الداخلية كأحسن استقبال.

ان ما تم ذكره لا يتجاوز كونه أحداث عادية ونواميس اعتيادية في الدولة والبروتوكول السياسي بحيث أنه لا يمكن اعتبار زيارة السعودية أو تواصل مع الإمارات او معلومات من مدونين سياسيين كمراجع حقيقية ويقينية لكتابة مقالا يقر محاولة انقلاب في دولة مستقرة.

الدولة التونسية ممثلة في أبناءها هي حاملة لقيم جمهورية كبرى ومثالية و لقد كان الجيش التونسي دوما على العهد كمحايد وكحامي للدولة المدنية وميسر للتداول السلمي على السلطة انطلاقا من صناديق الاقتراع وتحت راية التعايش والتنافس. كذلك في تونس، يوجد أمن جمهوري مفعم بالقيم الجمهورية وقيادات أمنية تعمل دوما ضمن دائرة وظائفها الموقرة خارج الدوائر السياسية وفي تونس هناك أحزاب بصدد بناء ديمقراطية ونقابات حاملة لوطنية وإيمان عميق أن تونس المدنية هي النمط الأرقى والأفضل للدولة التونسية.

ان كافة الظروف تجعل تبني أحدهم لفكرة قيادة انقلاب هي بمثابة عملية انتحار سياسي وانقلاب على قيم الوطنية وخيانة للبلاد، والأقرب الى الواقع هو عدم تفكير الوزير لطفي براهم في ذلك، هذا الأمني المنضبط والمقدم التضحيات في صفوف الحرس الوطني والعامل بصمت بعيدا عن المنابر الإعلامية . وبالتالي، فإن مغادرته بهذا الشكل وباخبار تصوره كرجل انقلابي هي عار كبير لهذه الدولة . فاعتباره خائنا دون ادلة وبلا إدانة قضائية هو افتراء وكذب وبهتان. وبالتالي من حقه أن تتوضح الصورة من قبل السلطات التونسية لترفع عنه هذا الثقل الكبير. واذا كان العكس ، فالدولة محتاجة لتأخذ المنهج القضائي لتدينه . هكذا هي الأمور الحقيقة في تونس والتي يجب ان يفقهها الجميع وان يدركها الحاكمون في البلاد .

كما ان التأثر السياسي التونسي بدرجة كبرى من أجل معلومات محمولة في مقال سياسي لا غير ، يبدو تاثرا مبالغا فيه لتسييس الأوضاع وتصفية الحسابات السياسية .

كما ان الحديث عن تجربة الانقلاب ، ليست سوى عينة – حقيقية كانت او وهمية – على حرب الخلافة والوصول إلى كرسي الرئاسة. هذا الكرسي الذي يستهوي الجميع ، هذا الكرسي الذي غالبا ما يجعل ماسكه يدخل في حسابات سياسية تبعده عن أرقى وأسمى هدف من العمل السياسي . الا وهو خدمة الناس وتطوير مستواهم الاقتصادي والاجتماعي . فالجميع يقدر على الظهور لبرهة زمنية في الحكم ، لكن قلما ظل الرجال في الذاكرة الشعبية . الا من غير وحسن الأوضاع.

ان الحديث عن الوضع السياسي المتأزم لا يمكن أن يأخذ المعنى الاشمل دون الحديث عن وضع اقتصادي أكثر تأزما  وما قد يزيد الأزمة الاقتصادية سوء هو انسداد الآفاق السياسية، فنحن اليوم إزاء أطراف اجتماعية معارضة للحكومة ، هذه الأطراف الاجتماعية بثقلها وقوتها فرضت نفسها كطرف قار في جل التحولات السياسية.

ولتفهم النموذج التونسي المتقلب والمتغير ، فعليك أن تقرأ هذه اللخبطة في المواقف السياسية، الحزب الحاكم الذي يملك اكبر عدد وزراء ويملك الرئاسات الثلاث يريد تغيير الحكومة برمتها، الحزب المنافس للنداء والذي أقيمت الانتخابات الفارطة على صراعهما هو مدافع شرس على الحكومة والاستقرار في رأسها و كل هذا لا تجده الا في النموذج السياسي التونسي المزاجي القائم على الحسابات السياسية ودرجة النفوذ في قالب السلطة التنفيذية.

وفي تونس ، هذا النموذج الفريد من نوعه ، تمارس النقابات وتتجاذب الأمور السياسية بعد أن فرضت نفسها كمتحكم في القطاعات الحساسة بقدرة فائقة على تحريك الأوضاع وتهدئتها.وتقع الأحزاب السياسية تحت وطأة رجالات مزاجيين باحثين عن قدم وسط التعيينات والتحكم في السلطات . وبالتالي ، موت البرامج الاقتصادية وانهيار التوازنات المالية وبؤس الوضع الاجتماعي في البلاد، فإذا أراد التونسيون تحسين أوضاعهم الإقتصادية والاجتماعية فعليهم بترتيب أمور بيتهم السياسي.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.